هدوء في الأداء السياسي.

هدوء في الأداء السياسي.


أوردت صحيفة الغارديان البريطانية قبل أيام، تحليلاً للكاتب البريطاني “الستر كروك” بأن “تغيير النظام في سورية يُعدّ جائزة استراتيجية تفوق ليبيا”.
وينقل هذا الكاتب عن مسؤول سعودي كبير، أنه أبلغ في صيف 2011 كبير موظفي نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، أن الملك السعودي، ومنذ بداية الأحداث في سورية، يعتقد أن “تغيير النظام السوري سيكون مفيداً جداً للمصالح السعودية”، مشدداً على أن “الملك يعرف أنه إذا كان هناك صعوبة بالغة في انهيار الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنه لن يُضعف إيران أكثر من خسارة سورية”.
ويلفت الكاتب إلى نوع من خريطة طريق موضوعة لتحقيق ما يصفه “اللعبة العظيمة – خسارة سورية”، ويتدرج بهذه الخريطة على النحو الآتي:
– المسارعة إلى تشكيل مجلس انتقالي على الطريقة الليبية، بصرف النظر إذا كان لهذا المجلس امتداد داخلي حقيقي.
– إدخال مسلحين مدربين من كل الجنسيات إلى سورية، خصوصاً من الدول المجاورة.
– تصعيد الحملة الإعلامية في مختلف الأشكال، لتصوير أن سورية لا تهدأ فيها الاضطرابات، وأن أعمال التمرد تتوسع.
– تسفيه وتشويه الجهود الإصلاحية للقيادة السورية، ورفض أي لقاء حواري مع النظام من قبل المعارضات.
– التحريض على الانقسامات داخل الجيش والقوى الأمنية بمختلف الوسائل الإعلامية والمالية والابتزازية، بما فيها الحديث الدائم ولو وهمياً عن انشقاقات.
– استمرار عمليات القتل، على الطريقة الجزائرية منذ بداية تسعينات القرن الماضي.
– توسيع العقوبات الاقتصادية، لتطال بشكل خاص الطبقة الوسطى، وترخي بتنقلها على الطبقات الفقيرة.
ورغم أن الكاتب البريطاني يؤكد أن هذه التكتيكات تتجه نحو الفشل – رغم الاستثمارات الضخمة الموظفة فيها – إلا أن سياق الأحداث وتطوراتها يؤكد أن الإصرار على استهداف سورية لن يتراجع ولن يتوقف، ما يعني أن المواجهة مستمرة لحسابات أميركية خالصة، حسب تعبير دبلوماسي لبناني قديم عمل لفترة طويلة في واشنطن، معيداً إلى الأذهان حديثاً لوزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، أجراه مع مجلة “دير شبيغل” في شهر شباط 2008، حيث شدد على أهمية عدم فتح حوار مع إيران إلا بعد فرض عقوبات مؤلمة عليها، وتضييق الخناق على سورية، بما يهدد النظام فعلاً، لأن أي انسحاب من العراق من دون توفير تسوية سياسية سيكون بالنسبة إلى واشنطن كارثة حقيقة، لافتاً إلى “أن الانسحاب من العراق من دون هذه التسوية سيكون بمنزلة تعزيز لقدرات حزب الله وحماس وتأكيده على عجز القوة الغربية”.. وهنا يشدد كيسنجر أنه “على بعض الأوروبيين أن يفهموا أن هذه ليست مشكلة أميركية فقط، وأن مثل هذه النتيجة ستكون خطرة لأوروبا وأميركا”.
فإذا كان ما يتم من مؤامرات لاستهداف سورية، قد جرى تعهده خليجياً وتحديداً قطرياً بدعم تركي أردوغاني، مع تراجع الدور السعودي حالياً إلى خلف الواجهة، بسبب الانهماك بترتيب البيت السعودي الداخلي، إضافة إلى انهماكها بمتابعة التطورات عند جارها الجنوبي اليمني، وما يشهده من أحداث قد تصل إلى مرحلة لا تعود الرياض قادرة على الإمساك به، حيث سينعكس بشكل سلبي وخطير على مملكة الذهب الأسود نفسها، في ظل التنافس الشديد الحاصل بين ما بقي من أولاد عبد العزيز على قيد الحياة وهم عشرة أشقاء والأحفاد الذين بدأ صبرهم ينفذ، خصوصاً أنهم يرون أنجال نظراء أهلهم في الملكيات والإمارات الوزارية صاروا ملوكاً وأمراء وأولياء عهد.
وبرأي مراقبين بدقة لهذه التطورات، فإن السعودية لن تمتثل لنصيحة الرئيس نبيه بري ولاستنتاج العماد ميشال عون بأن دوراً للملك السعودي قادر على إجراء مصالحة سورية – خليجية أو عربية، لأن السعودية لن تخسر إذا انهارت “القيادة” القطرية للمؤامرة على سورية، ولا حتى إذا نجحت المؤامرة على سورية، لأن هذا سيسهم في إضعاف إيران وكل مشروع المقاومة والممانعة.
رغم تعدد أشكال استهداف سورية، فإن دمشق صامدة وتقوى باستمرار رغم الشراسة التي تبدو عليها هجمة استهدافها وهي مرشحة للتصاعد، كلما اقترب عيد الميلاد، في 25 كانون الأول، وخصوصاً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، مضطر وهو المقبل على انتخابات رئاسية أن يقدم للأميركيين في عيد الشكر، الذي يصادف الأسبوع المقبل، وتحديداً في الخميس الأخير من تشرين الثاني وعداً بخير ما، أو أقله تأكيد على نصر معين، وهو الذي أضحى بطة عرجاء تتلقى الضربات المتتالية في أفغانستان، التي وعد بنصر استراتيجي فيها في نفس مثل هذه المناسبة من العام الماضي، حيث أكد على سحب جنوده من العراق في نهاية 2011، ليعزز حضوره في أفغانستان، لكن ها هي الأيام تعصر ثيابها مؤذنة بانسحابه من العراق دون أي اتفاق، في ظل خسائر فادحة تشير معلوماتها الرسمية إلى أقل من خمسة آلاف قتيل وأكثر من 20 ألف جريح بينهم أكثر من خمسة آلاف مقعد بشكل دائم، ونحو أربعة آلاف مشوه، أما وضعه في أفغانستان فإن الطائرات لا تتوقف عن نقل جثامين القتلى الأميركيين.
وعليه تتضح أهداف التصعيد المتعدد الرؤوس عربياً وتركياً وغربياً وأميركياً، لأن ما بعد الصمود السوري وهزيمة المؤامرة عليها ليس كما قبلها، فعلى الرؤوس الحامية أن تدفع الثمن.. والثمن لن يكون بسيطاً بالتأكيد.
وبهذا صعدت واشنطن دفعة واحدة ضد إيران ولبنان وسورية، صعدت ضد إيران من خلال فبركة وكذبة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، ثم التقرير الكاذب للوكالة الدولية للطاقة الذرية وضد لبنان من خلال تحريك واستحضار المحكمة الدولية وتمويلها، وضد فلسطين بوقف المساعدات الزهيدة التي تقدمها للسلطة بسبب محاولة انتسابها إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية، ومن ثم اعتراف اليونسكو بها بهذه الصفة.
وترافق هذا التصعيد بتصعيد تركي بالعودة إلى تهديد المنطقة العازلة، لكن أردوغان تلقى من الداخل التركي ما أقلقه وأخافه، فعاد إلى الصراخ مهدداً بقطع الكهرباء، وكان التصعيد الخليجي والعربي من خلال شاهد الزور التاريخي الجامعة العربية، في البداية وضعت الجامعة مبادرة صيغت للقطري بطريقة استفزازية لسورية، وشكلت لجنة ترأسها القطري رمز الانقسام في هذه الظروف، وترددت معلومات في هذا الصدد أن خبراء سياسيين أميركيين وفرنسيين، كان يتابعهم بشكل دائم جيفري فيلتمان وبرنار هنري ليفي وضعوا شكل الصياغة الاستفزازية، لتجعل بدمشق ترفضها، لكن القيادة السورية أسقطت من يدهم أي حجة، بالقبول بهذه المبادرة.
وهنا حاول الأميركي والغربي أن يفتح كل أوكار الدبابير في وجه سورية، فتدخلت واشنطن محرضة الزمر التخريبية بعدم إلقاء السلاح، لا بل تفيد المعلومات أن أموالاً خليجية ومساعدات أميركية كبرى قدمت للمعارضات والمسلحين من أجل تأجيج أعمال القتل والنهب.
وفي المحاولات أيضاً أن وفد المعارضة السورية الداخلية إلى دمشق لم يكتف بمهاجمته من قبل معارضات اسطنبول وبرنار هنري ليفي، بلد بذلت محاولات إغرائية كبرى لجعله ينضم إلى معارضات اسطنبول وبرنار هنري ليفي، والسؤال الآن، لماذا لم يعد بعض المعارضين الداخليين إلى دمشق حتى الآن، حيث ترددت معلومات أن بعضهم قد يكشف عن هول الإغراءات التي قدمت لهم، لأن يلتحقوا بمعارضة الفرنسي من أصل سوري برهان غليون.
واللافت أيضاً أن مجلس الجامعة العربية سارع وقبل انتهاء مهلة الـ15 يوماً المقررة للبث بمساعي وجهود اللجنة العربية في سورية بعد أقل من عشرة أيام إلى الاجتماع، لإعلان نعيها لهذه الجامعة، من خلال تعليقها عضوية أول دولة مؤسسة للجامعة العربية وهي سورية، حيث نص البيان الذي أعلن ولادة هذه الجامعة عام 1945، كان اسم الجمهورية العربية أول اسم، وفي وقت كانت دول مجلس التعاون، ما تزال مشيخات يطلق عليها الاستعمار الإنكليزي اسم “المشيخات المتصالحة” باستثناء السعودية.
وكما أكدت المعلومات الدقيقة، فإن تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية جاء ضمن مخطط سبق أن تم التوصل إليه في فندق فورسيزن في مصر في 16/10 وليس في مقر الجامعة العربية، علماً أن هذا القرار يحتاج إلى إجماع وإلى قمة عربية حسب ما ينص الميثاق والنظام الداخلي لهذه المؤسسة، مع العلم أن كلمة سر أميركية خرجت علناً إلى عرب واشنطن قبل يومين من اجتماع مجلس الجامعة تدعو إلى عزل سورية.
باختصار، ثمة حقيقة كشفتها الأيام الماضية التي أعقبت القرار المسخ للجامعة العربية، وهي أن واشنطن تقود حلفاً يضم أنظمة عربية بقيادة مشيخة قطر إلى جانب تركيا، على أن الحقيقة الأكثر وضوحاً، هي أن الولايات المتحدة تعمل بشكل دائم لإعطاء وضخ جرعات إضافية لمجموعاتها، كلما شعرت أن انسحابها من العراق اقترب، وكلما شعرت أن سورية تتقدم وتحقق انتصارات حاسمة على مجموعات التخريب والعمالة، وكلما شعرت أن عربها مربكون.. ويزدادون خوفاً من الغد.
ثمة حقيقة أخرى، وهي أن سورية تتميز في أدائها بهدوء سياسي يغيظ كل الحلف الجهنمي، وهذا بحد ذاته يدل على الثقة والقدرة على صد الهجمة الاستعمارية الجديدة، وأن سورية بقيادتها وجيشها وشعبها العظيم ستنتهي إلى نصر حاسم وأكيد، يشكل إضافة نوعية إلى خيار العروبة الحقيقية والأصلية، ولنهج المقاومة والممانعة..

 مجلة الثبات اللبنانية.أحمد زين الدين.

العنوان الأصلي للمقالة هو:سوريا.. هدوء في الأداء السياسي يغيظ الحلف الجهنمي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *