وفي الحقيقة كان هناك قصور كبير في الرؤية، والنظرة الواقعية للأمور وإدارة الدول والمجتمعات ووضعها على المسارات الحضارية الحديثة، من قبل فلاسفة التنظير القومي، وعتاة القوميين، وكان هناك عدم فهم سياسي واضح وضبابية، كما رومانسية كبيرة في الفكرة القومية التي حاول البعث ترويجها عبر عقود، في سوريا والعراق الذي انتهى، هو الآخر، في هذا البلد يكارثة حقيقية حلت بهذا الشعب العظيم، وعلى يد عرب لصحراء أنفسهم الذين استجلبوا له، أيضاً، وبكل برودة أعصاب وغدر عبي تاريخي تلقيدي، الاحتلال الأمريكي للعراق، وها هم اليوم يحاولون إعادة الكرّة في سوريا الدرب للوحدة العربية. وكان هناك جهل مطبق في فهم طبيعة العلاقات الدولية وطبيعة التحالفات القائمة وارتباطات ما تسمى بالدول العربية بتحالفات أخرى لا تبني سياساتها ومصالحها أبداً على فكرة القومية العربية بقدر ما تبنيها على مصالحها الوطنية الذاتية والإستراتيجية، لا بل كانت تعامل السوريين باعتبارهم أجانب، فيما لا تزال سوريا، مفتوحة سداحاً مداحاً، ووكالة من غير بواب للعرب، الذين استغلوا هذا الوضع، والفجوة الأمنية القومية، لإدخال الأسلحة، والإرهابيين، والأموال، لقتل السوريين، والقيام بعمليات تخريبية وإجرامية في سوريا، وكللوها مؤخراً بمؤامرة الغدر والخيانة لطرد سوريا بشكل مهين ومذل ومؤلم من الجامعة، فيما يتعرض السوري الراغب بزيارة معظم الدول العربية إلى سلسلة من إجراءات الإذلال المطولة، والخضوع لإجراءات عنصرية لا تنتهي إلا بتسليمه كعبد أسير بدون كرامة بيد الكفيل. وكنا قد طالبنا سابقاً في سلسلة مقالات بتفعيل مبدأ المعاملة بالمثل مع هذه الدول، لكن، وكالعادة، لم تلق أية آذان صاغية، حتى سفحت كرامتنا، وتم إذلالنا والاستهانة والاستخفاف بنا على ذلك النحو المهين من قبل العرب في الفترة الأخيرة حتى بانت حقيقة خواء واهتراء ولا واقعية ولا منطقية الفكرة القومية العربية التي لا زال البعث يتمسك بها في سوريا. والأنكى من ذلك كله، هذا التعنت والمكابرة والاستمرار في التمسك بهذه الفكرة الفاشية الطوباوية المدمرّة والمسيئة لمشاعر وأحاسيس أطياف كثير من السوريين عبر التأكيد على روعة وعظمة الفكرة من قبل معظم طابور الضيوف والمهرجين اللبنانيين الذي يحتلون، ويبيعون السوريين البضاعة القومية التالفة والفاسدة والفاشلة، ويزخر بهم الإعلام السوري، وما زالوا يجترون ببلاهة استفزازية، سيكون لها عواقب وخيمة مستقبلاً، نفس هذا الخطاب العجين السقيم.
لقد أدت السياسات القومية البعثية العروبية في سوريا، وعلى مدى عقود إلى سلسلة متتالية من الفواجع الوطنية، وعلى غير صعيد، وتمخضت عن مجموعة من الكوارث على الصعيد الداخلي، حتى لو زعل وئام وهاب الذي حاول إعادة تجميل البعث والبعثيين في ظهوره الأخير على القناة السورية الخاصة ” اللي ما تتسماش” ، قائلاً أن البعث بنى سوريا، ربما كان يقصد العكس فخانته التعبيرات (من بنى ماليزيا، وسنغافورة، والسويد، والنرويج؟ ربما البعثيون من حيث لا ندري)، وأدت تلك السياسات إلى إهانة بالغة طالت الكرامة والشخصية الوطنية لمعظم السوريين الذين شعروا بالمرارة والألم والغصة والحسرة والغيظ والحنق وهم يرون ذات العرب الذين تغزل بهم البعث طويلا، وفضلهم على السوري نفسه، وهم يجردون المدى، ويهيئون المذبح لنحر الوطن السوري؟
ألا تستأهل كل تلك الأخطاء والممارسات الكارثية، وقصور الرؤية، والحماقات القومية المتوالية مجرد اعتذار بسيط يقدم بكل رجولة وفروسية لعموم السوريين؟ ألا يستأهل الجرح العميق الذي تركه خبث ومكر وغدر وتواطؤ الأعاريب اعتذاراً صغيراً من أساطين البعث القومي وكلمة ترد الروح لهذا السوري المخدوع الجريح، على أن يقرأ رسالة الاعتذار الأمين القطري المساعد عبد الله الأحمر*، ما غيره، الذي لا نعرف ما هو عمله بالضبط على مدى خمسة قرون، علنا نقول، عندما نسدل الستارة على الفصل التهريجي الأخير، بأن الرجل قد اشتغل شيئاً ما مفيداً خلال حياته الحزبية، وقدّم خدمة جليلة للسوريين المخدوعين بمهمروجة العرب الآثمين المتآمرين.؟؟
*عاشت وماتت أجيال سورية كاملة، وهذا الصنديد ما زال يتربع على عرشه البعثي، كأبي الهول، وكأنه ملكية خاصة اشتراه من حر ماله الموروث، ودون أن يعرف أي من السوريين ماذا يقوم به من عمل وطني، ويتمتع بمزايا استثنائية ويعيش برفاهية أسطورية وامتيازات فردية خاصة له ولأبنائه في التعليم والسكن والتوظيف والبعثات الخارجية مثله مثل معظم الرموز البعثية و”أعداء” القيادتين القومية والقطرية، في الوقت الذي يعاني فيه كثير من السوريين من الفقر والبطالة والتعتير والبؤس والتهميش والكيدية والتجويع ويحرمون من أبسط الحقوق الآدمية.
نضال نعيسة