هل يطالب الشعب السلطة بشيئ ما ؟
الشعب لايطالب السلطة بهبة محددة ثابتة , لأن الشعب يظن , وقد يكون بعض الظن اثم , انه المالك لكل شيئ , والمالك هو الذي يهب ,والذي يظن على أن السلطة يجب أن تهب , هو انسان ذو خلفية خلافية متخلفة , وكأنه يظن , يا أيها الذين أمنوا تجنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم , , اننا لانزال في أيام الخلافة وبيت المال , حيث يملك الخليف كل شيئ , وحيث يستطيع الخليف التكرم على الشعب بالفتات أو غير الفتات , وذلك انطلاقا من مزاجه أو كرمه الحاتمي …
لايتسول الشعب المالك ,بشكل طبيعي, لكل شيئ , الا عند فقدانه لكل شيئ , أي عندما يصبح منهوبا مسروقا فقيرا محتاجا مفلسا , عندها يتسول المسروق لدى السارق ..حسنة من مال الله ياكريم ..وهذا الكريم يخضع مسلكيا لطفرات من الكرم الحاتمي .. فجأة تزداد الرواتب بنسبة اسطورية غوغائية ..فجأة تعلن السيدة الأولى عن هبة للنساء , حيث تتجمع قوافل الحريم في الشوارع وأمام البنوك منتظرة بلهفة رزمة الألوف الخمسة بدون جدوى , اسعار المحروقات لاتخضع لمعايير اقتصادية , وانما الى مد وجزر, تتحكم به مزاجية الحاكم , وبعض الضرورات الأخرى , منها مثلا وضع مؤسسة التهريب الجمركية ..فمن يهرب المازوت الى لبنان وتركيا ليست عصابات المهربين , وانما “عصبة” الجمارك, ولا أريد الحط من قدر الجمارك العربية السورية الموقرة باستخدام كلمة “عصابات” الجمارك , بشكل عام المالك الجديد لكل شيئ يهب أحيانا , والشعب يمارس التسول دائما …..وضع معكوس مخزي ومشين .
عودة الى مطالب الشعب , الشعب لايطلب من السلطة الهبة , وانما يطلب احترام القانون , وصنع قوانين محترمة, ومن القوانين والدساتير اللامحترمة, هي المادة الثامنة والمادة الثالثة على سبيل المثال وليس حصرا , فالسلطة صنعت هذه القوانين (توخيا للدقة يجب القول ان المادة الثالثة هي من صنع الاخوان عام 1950) , التي تبرمج وتشرع الاعتداء على الشعب وكرامته وشرفه , فالمادة الثامنة , التي لاتريد السلطة على مايبدو التخلي عنها , تقسم الشعب الى مواطن من الدرجة الأولى , والى مواطن من الدرجة الرابعة …فلكي تصبح مديرا لمدرسة ابتدائية , يجب أن تكون من الحزب القائد , ولكي تحصل على منحة دراسية يجب أن تكون عضوا في الحزب القائد , ولكي تدخل الفرع الذي تريده في الجامعة الحكومية , يجب أن تكون عضوا في شبيبة الحزب القائد …والمختار يجب أن يكون من الحزب القائد , وهل يوجد أي شك في عنصرية المادة الثامنة ؟؟؟عنصرية طبعت الحزب القائد بطابعها .
لقد اندثر أو تلاشى الحديث في الأشهر السابقة عن حيثيات المادة الثامنة ,ولم نسمع مؤخرا أي تطرق عنها ..هكذاهو الحال منذ عقود ولحد الآن …ومن يريد معرفة أكثر من التفاصيل عليه بمراجعة أدبيات السياسة في سوريا , خاصة الأعوام 2004 و2005 و2006 , حيث يجد صورا طبق الأصل عن أدبيات عام 2011 . ومن يريد تبرير ذلك بأمور خرافية مثل قضية الحريري أو ضرورات الصمود أو المقاومة أو الرفض أو الممانعة أو غير ذلك , انما يحاول الاستخفاف بعقول البشر , ولا أكن لمن يستخف بعقل البشر الا الازدراء .
يقال ان مايطلبه المواطن من السلطة , لاتستطيع أي سلطة سياسية أن تحققه , وذلك لأسباب جيوسياسية وغير ذلك ..تلحين آخر لأغنية معروفة ..استخفاف بالعقل وعكس فاضح لآليات تفاعلات الشعب مع السلطة والسلطة مع الشعب , فالاعتبارات الجيوسياسية , والمؤامرات ومنها سايكس بيكو أو بلفور لاتمنع ممارسة الديموقراطية , وانماالديموقراطية هي ضرورة ملحة للتصدي لكل هذه المؤامرات , الا أن الديموقراطية لاتسمح بتأبيد حكم جمهوري , ولا تسمح بالفساد ونهب الشعب واسترقاقه والتسلط عليه وامتهان كرامته …هنا تكمن مشكلة السلطة مع الديموقراطية , اذ لاوجود لسلطة من هذا النوع تحت سماء ديموقراطي ,والاحتماء بالمادة الثامنةهو برهان غير مباشر عن ذلك , ومن هنا يمكن القول ان هم الديكتاتورية الأول والأخير ليس التصدي للمؤامرات بنجاح ,و وانما ترسيخ تسلطها على الشعب ونهبه مهما كلف الأمر, انه اتجار بالقضايا القومية من أجل التسلط , ولم تفشل الديكتاتورية الا في حل القضايا القومية , ولم تنجح لحد الآن الا تمديد حقبة تسلطها ..ثلاثين سنة ..أربعين سنة ..خمسين سنة ..سرقات بمئات المليارات من الدولارات ,ولا عدالة ولا حريات , وما انجزته هذه الديكتاتوريات لحد الآن لم يغير من سايكس بيكو أو بلفور قيدشعرة ايجابيا , بل بالعكس ..الديكتاتوريات كرست نتائج سايكس بيكو وبلفور, واتحدى من يستطيع برهنة العكس !!