جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان أولا كضرورة , بعد أن أمعنت الشعوب والدول بصنع الكوارث والحروب , التي قادت الى الاجحاف بحقوق الانسان ,وقد استند المشرعون لميثاق حقوق الانسان العالمي في تشريعاتهم على ادراكهم للضرورة التي ذكرت , وعلى نظرة شاملة للتراث المعرفي والحضاري العالمي ..فلسفة ..علم ..ثقافة , وحتى الأديان , وذلك لكي يستنبط هؤلاء منها ماهو جدير وقادر على حماية حقوق الانسان .
جميع الأديان التي نعرفها تلأمت مع الميثاق العالمي لحقوق الانسان , ماعد التيارات الاسلامية التي تخاصمت معه , متذرعة بأسباب أنانية واهية وبهائمية ..تعصبية ..تشددية , وسأوحال البرهنة على عدم منطقية ووجاهة هذه الأعذار والمآخذ !.
لا أريد هنا أن امارس الدجل الديبلوماسي وذلك بالقول , ان الدين الاسلامي , ينضح بالقيم والمصطلحات الانسانية والأحكام الأخلاقية , التي من شأنها احترام الانسان وحقوقه الفردية والجماعية , ثم أمارس التعجب من مسلكية رجال تيارات الاسلام , الذي أفترض عندها أنه يناقض روح الاسلام , أي تبرئة الدين وتجريم رجاله , مسلكية كهذه اعتبرها منزلقا كارثيا لايؤدي الى نتيجة ايجابية , الدين الاسلامي هو مبادئ وممارسة , وما يمكن ادراكه من الدين عمليا هوالطرح والممارسة , ولا قيمة للمبادئ معزولة عن الممارسة , ولا يجدي افتراض دين آخر أمام أو خلف أو جانب الطرح والممارسة العملية للدين من قبل رجاله , انهم المعيار الأول والأخير , ومن خلالهم أستطيع التعرف على الدين , وهم من أعلم الناس بالدين ..بكلمة أخرى هم الدين .
هؤلاء يفترضون على أن الميثاق العالمي لحقوق الانسان سيقود الى ضياع الهوية الاسلامية , وفي هذه الفرضية الكثير من الصحة , وذلك لأن الميثاق العالمي لحقوق الانسان يتناقض مع تلك الهوية , التي تريد دائما أن تكون خصوصية ثقافيىة تمتلك الحقيقة المطلقة ,, وبالتالي تقود هذه الهوية الى الانغلاق والانعزال والغياب عن ساحة التفاعل الانساني .
اشكالية الميثاق العالمي لحقوق الانسان مع معظم بل كافة التيارات الاسلامية هي اشكالية مبدئية , فالاسلام يتمحور حول الشريعة , في حين يتمحور الميثاق العالمي لحقوق الانسان حول العقل , الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان هو زبدة الشريعة الاسلامية , في حين ان الميثاق العالمي لحقوق الانسان هو زبدة العقلانية البشرية المؤلفة من مكونات عدة منها الفلسفة والتاريخ والعلم والديانات ..والاسلامية منها .
حقوق الانسان اسلاميا تنحصر في ممارسة واجبات الالتزام والالزام الديني ثم التعبد وممارسة العبودية لله ومن يمثله على الأرض , أما الميثاق العالمي لحقوق الانسان فيرتكز على نظرة شمولية , تعترف بالمساواة الكاملة بين المرأة والرجل , مقابل تفاضل وتفاوت واضح لصالح الرجل اسلاميا ..تعتمد على الأهلية القانونية للانسان مقابل الأهلية الشرعية الاسلامية له ..تعتمد على حرية الرأي وتطور مضامين هذا الرأي , مقابل التقيد بالشريعة والشرائع المتحجرة ..تتضمن حرية الاعتقاد , التي تقتصر وتنحصر اسلاميا في الاعتقاد بالدين الاسلامي وخاتم الأنبياء , ثم التنكر للمعتقدات الأخرى لأنها معتقدات كفر وضلال ..لاحرية معتقدات في الاسلام , لأن المرتد يستتاب فاذا رفض يقتل !!!.
ولو نظرنا الى الجغرافية الدينية العالمية , لوجدنا على أن الانسان في هذا العالم , ليس اسلامي فقط , وانما هو بوذي أكثر منه اسلامي , ومسيحي أكثر منه بوذي أو اسلامي , فكيف حال من يريد العيش مع الآخرين , عندما يعتبرهم جميعا من الكافرين , أي أنه لا يعترف حتى بوجودهم الانتمائي الوجداني العقلي الفكري ..انه الغاء لهم ..! ثم يريد هذا الانسان قلب هؤلاء الى اسلاميين حتى بحد السيف , دون التفكير بأن الأديان الأخرى لها مايسمى حرمتها وعرضها ,عقاب الردة اسلاميا من الاسلام هي الموت , وثواب الردة من المسيحية اسلاميا هي الجنة ..التيارات الاسلامية ليست قادرة على اعتناق مبدأ المعاملة بالمثل , ولا تفكر بأن الأديان الأخرى لاتستسيغ الردة , ولو أرادت هذه الأديان معاملة المرتدة اسلاميا , لأصبح العالم بحيرة من الدماء .
التيارات الاسلامية تتنكر لأبسط مبادئ حقوق الفرد في انتقائه لانتمائه الديني , من ولد مسلما يبقى مسلما , حتى ولو اراد أن يصبح بوذيا , واذا أصبح بوذي يرهق دمه ,أفهم الحرية الدينية على أنها أيضا حرية من الدين , وليس فقط في الدين , والميثاق العالي لحقوق الانسان يشدد عل وجود الفلسفة اللادينية , اللاديني ليس بالضرورة ضد الدين .
لو طرحنا السؤال التالي : هل يمكن تطبيق الاعلان العالمي لحقوق الانسان على كل انسان في هذا العالم ؟؟, الجواب نعم يمكن ذلك , والسؤال الآخر , هل يمكن تطبيق الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان على كل انسان في هذا العالم , الجواب واضح ..لايمكن , ومن هنا يمكن القول على أن الميثاق الاسلامي لايمكن تسميته بميثاق حقوق الانسان , انه ميثاق اسلامي لبعض المسلمين فقط , أما الميثاق العالمي لحقوق الانسان فهو ميثاق صالح لكل مكان , وبفعل قابليته للتطور صالح لكل زمان .
الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان يقول في مادته الثانية ..يولد الانسان حرا , ولا عبودية لغير الله تعالى , فكيف يستقيم كون الانسان حر مع استعباده من قبل طرف آخر , هو الله , وكيف لنا معرفة مشيئات الله واراداته , وقد تبعثرت هذه المشيئات والارادات على العديد من التيارات والطوائف الدينية , التي يعرف الاسلام المئات منها , ثم كيف هو حال من لايعرف الله ولا يعترف به ؟؟ والاسلاميون يريدون شكليا العبودية لله بأشكاله واراداته المختلفة والمتناقضة جدا , واقعيا يريد هؤلاء استعباد البشر عن طريق القرآن ومفسريه وفقهائه , وهذا هو بمثابة استعباد البشر من قبل الفقهاء الممارسين للفتاوى والتشاريع المتناقضة, التي تحول الله , الذي يقولون عنه انه واحد أحد , الى شرذمة من المتناقضلت والعديد من الآلهة , حيث يعتبر كل اله منهم الآخرين كفرة وزنادقة .
حرية الرأي التي اعتنت بها المادة الخامسة من الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان هي مصونة فقط خارج الشرع , لاحرية في نقض الشرع الاسلامي , مع أن الشريعة هي القانون الذي يريد الاسلاميون تطبيقه على البشر , وكيف يمكن أن يكون الانسان حرا , اذا لم يكن بمقدوره نقد القانون الذي يطبق عليه وتطويره , ثم عن التربية حسب المادة الثالثة , التي تقول على أن هدف التربية هو تقوية الايمان , وما هو حال من لايريد الايمان بالله ورسوله , وتقوية الايمان تعني الايمان الاسلامي , وهل على اتباع الأديان الأخرى أن يبقوا بدون تربية ؟ أو أنه عليهم بالتربية الاسلامية ؟
الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان يشدد في نهاية ديباجته على أن كل بنود هذا الاعلان مقيدة بأحكام الشريعة الاسلامية ومقاصدها , ومبررا ذلك بكون الشريعة الاسلامية المرجع الوحيد لتفسير وتوضيح أي مادة من مواد الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان …لنقل في النهاية حقوق بعض المسلمين من رجال الدين !