بين المفهوم الأمبراطوري والمفهوم التاريخي …

ممدوح بيطار,  جورج   بنا  :

الكاريكتير العربي - Arabian Cartoon: الاختلاف في الرأي!هل يمكن ” العيش معا متفقين ولكن مختلفين “؟ سؤال مهم بالنسبة للمجتمعات التي لم تعرف بعد الديموقراطية والمساواة , ولمجتمعات المساواة والديموقراطية , التي حققت امكانية العيش معا متفقين ومختلفين بآن واحد  والعيش معا بتلك الصيغة , قاد الاتفاق في الاختلاف الى التقدم والارتقاء , بينما تأخرت الشعوب التي لاتعرف الاتفاق في الاختلاف , لاتخلو حياة اي مجتمع من اشكاليات ومشاكل , حلت مجتعات الاتفاق مع الاختلاف مشاكلها بالوسائل السلمية , بينما غرقت مجتمعات التناحر بسبب الاختلاف بالمشاكل التي أوصلت هذه المجتمعات الى حافة الاندثار والانتحار .
لاتزال مجتمعات وشعوب هذه المنطقة قاصرة بخصوص استيعاب مفهوم “الوحدة في الاختلاق والتعددية ” ومصرة على فرض التجانس من منطلق التوحيد المريض ,ولا تزال عاجزة عن الشفاء من مرض التوحيد والتجانس القسري , فلكي يتمكن الكردي او الأمازيغي من العيش مع العربي , عليه ان يتحول الى عربي , واذا لم يتمكن او يريد فسيرغمه السيف لكي يريد , يقول   الفقه  المحلي بضرورة تجانس الأمة , أي تجنيس الجميع بجنسية واحدة ,كتعريبهم على سبيل المثال.
فرض التجانس عصاب وغباء وجهل , نظرة الى قاموس المعاني تظهر ان التجانس يعني شيئا لاتعرفه الشعوب, فتجانس شخصان يعني اتحاد شخصان في الجنس والصفات الأخرى , وكيف يمكن للفئات أن تتحد في الجنس والصفات الأخرى ؟ , حتى التوائم عجزت عن ذلك ,للاختصار والتوضيح اورد ماجاء في كتاب علم الاجتماع للمرحلة الاعدادية :”نحن نحيا في مجتمع يتميز باختلاف أفراده ومجموعاته , فنجد الاختلاف على خلفيات دينية , قومية , جنسية , تربوية وغيرها , ولكل من هذه المجموعات توجد ميزات وخلفيات وتطلعات متباينة , ولكي نستطيع العيش في بيئة آمنة صحيا وتربويا , يتحتم علينا أن نستوعب الآخر بالرغم من جميع اختلافاته , أن نرى المميز به , وأن نسعى لايجاد القاسم المشترك بيننا , ليشكل ذلك أساسا للعيش التوافقي , ولبناء قاعدة متينة للمستقبل , مع تقبل الآخر نحافظ على بيئة تلائم جميع الأفراد , وتلبي الحد الأدنى لطموحاتهم واحتياجاتهم , هنا يتم خلق التوازن الداخلي وخلق انتماء مشترك لدى الجميع , هكذا فقط نعزز الشعور بالانتماء وشرعية الوجود لدى كل فرد ,كل ذلك يخلق لديه الرغبة باستثمار امكانياته لخدمة مجتمعه” هذا هو علم الاجتماع في المرحلة الاعدادية  المترجم  عن  كتب  مدرسية أوروبية  , الذي ينفي ويرفض الادعاء بأن الشعب متجانس او عليه ان يكون متجانس ,يمثل هذا  الادعاء  قمة الضحالة الفكرية , وكأن هؤلاء لم يزوروا المدرسة , لقد زاروها   وتعرفوا  على  كل ذلك دون ان يفهموه ,تكمن   المشكلة الأساسية   في   تلقين الناس   فقه   المعابد أي  عكس   ما   تعلمه   المدرسة , اي التلقين دون فهم ,  وهذا  ما  يريده   الفقه   الديني,  يتعلم   التلميذ   في   المدرسة   أن   الأرض   كروية   , وفي   المعبد   يقال   له    انها   مسطحة ,  للمعبد   الحرية   المطلقة في    التلقين    تحت   ضغط   الترهيب   والقداسة  والتخويف    وغير   ذلك  !.
تعبر نزعة التجانس , التي تطورت حتى الى فرض التجانس بالقوة , عن الشعور الدفين المبهم بوجود نوعا من التفكك الطارئ في الحياة العربية , لقد صورت العروبية مجتمعات هذه المنطقة بأنها كانت واحدة متجانسة , بينما تاريخيا لم تكن واحدة ولم تكن متجانسة , فقبل اقامة الأمبراطورية العربية , اي الخلافة , كانت هناك وحدات بشرية كوحدة وادي النيل او وحدة بلاد الشام او وحدة الجزيرة العربية, ولم تكن هناك وحدة طبيعية وطوعية بين مصر والعراق على سبيل المثال , لكن مصر والعراق والمغرب وغيرهم تحولوا بعد الفتوحات الى اجزاء من تلك الأمبراطورية , التي ضمت ايضا الهند واسبانيا وغيرهم , اقامة هده الأمبراطورية عن طريق الاحتلال العسكري مثل رغبة وارادة ومصالح المحتل , ولم يكن تعبيرا عن رغبة وارادة شعوب المستعمرات .
يعود الشعور بالتفكك الى افتراض وجود توحد طبيعي تلقائي طوعي بين شعوب ومناطق تحولت بدءا من   مايقارب ال ١٤٠٠ الى وحدة ادارية في اطار الأمبراطورية , ارتبطت هذه الوحدة الادارية بمركز الخلافة كما ارتبطت الهند بمركز الأمبراطورية البريطانية , دون ان يعني ذلك ان الهند وبريطانيا شكلوا وحدة بشرية او جغرافية او ثقافية , الكومنولث ليس اتحاد او وحدة , انما منظومة تتواجد بها دولا مختلفة كأعضاء وليس كأجزاء من بريطانيا !.
افتراض ضرورة اعادة التجانس لم يكن العامل الوحيد الذي دفع العروبين ورجال   الدين الى بذل كل تلك الجهود من أجل الوحدة وتحقيق التجانس من جديد , لقد كان لديهم يقين بأن عمر تاريخ هذه المناطق والشعوب كان ١٤٠٠ سنة فقط , اي أن ماقبل ذلك لايمثل تاريخا , أنه لاغي !, ويجب الغائه بكل وسيلة ممكنة ,من هذه الوسائل كانت منابر  المعابد  , هكذا   علمت   المعابد   الناس طوال  تلك القرون الأربع عشر , والأمر لم يقتصر على التعليم , لقد تعداه حتى الى محو اثار ماقبل تلك القرون الأربع عشر , محو الأثار كان بتدميرها وازالتها من الوجود , كما فعل الاستعمار العثماني وكما فعلت داعش بالآثار في تدمر وخارج تدمر.
تحولت الوحدة العربية الى مفهوم خلاصي شكلي , الى دولة شكلية بدون شعب , والى شعب شكلي بدون دولة , فكلما ارتفع منسوب الالحاح على الوحدة العربية , ارتفع بنفس النسبة تقريبا حجم التفتت واالتجزئة ومحاولات الانفصال , لايتطابق المفهوم الأمبراطوري الخلافي مع المفهوم التاريخي الممتد الى أعمق من ال ١٤٠٠ سنة الماضية , برهنت التطورات في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين عن قدرة مفهوم الوحدة العربية على تحقيق العكس مما اراد , مما أكد اصابة هذا التفكير “بعلة” , وصفها انطون سعادة بالمرض النفسي ,الأصل ليس الوضع الأمبراطوري الحجازي الطارئ , والذي عمر ١٠٠٠ سنة ,اوالعثماني الطارئ الذي عمر ٤٠٠ سنة, أو الروماني الطارئ والذي عمر ٧٠٠ سنة , انما الحالة التاريخية الممتدة للعديد من آلاف السنين في عمق التاريخ .. 
 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *