هادي بازغلان:
 لماذا تتغير مناهج التاريخ ..
لماذا تتغير مناهج التاريخ ..وهل الدولة العثمانية احتلال !؟
سادت وسائل التواصل الاجتماعي السورية موجة من المهاترات على أثر قرار وزارة التربية بتغيير بعض المناهج الدراسية وخاصة مادة التاريخ ,ونخص من مادة التاريخ بحث الدولة العثمانية والتي تحولت بالكتب من دولة احتلال الى دولة بمثابة الوطن ,وتحول شهداء 6 من شهداء الى حفنة من العملاء .. وانقسمت الاراء الى معسكرين ,, معسكر رأى أن هذا تشويه للتاريخ فيما رأى المعسكر الاخر أن ذلك تصحيح وتعديل منصف للتاريخ .. فما حقيقة الأمر !؟ وهل كانت الدولة العثمانية احتلالا وشهداء 6 أيار شهداء أم العكس صحيح !؟
قبل أن أبدأ أريد أن أوجه لأمر مهم ألا وهو طريقتنا بتناول المواضيع والامور الهامة بحياتنا وهي طريقة سطحية قد تكون مقبولة اذا كان مصدرها هم العامة من الناس ,لكن أن تصدر عن من يدعون أنهم طبقة مثقفة وذات اختصاص ! فهذا أمر غريب جدا ,, لاني لم أقع على تحليل واحد لهذه القضية يمكن أن نصفه بالتحليل العلمي الرصين ,وكل ما قرأت لا يعدو عن كونه آراء مكتوبة بدافع عاطفي تنطلق من كره السلطة الحالية او محبتها ,والطرفان لا يشكلان مادة علمية يمكن أن نستند لها في فهم الحقيقة ,وللاسف أننا لا نجيد اسلوب الحيادية والعلم في تناول قضايا حياتنا !
ونبدأ بالاجابة على سؤال المقال ..
لا يمكن النظر للدولة العثمانية كسلطة احتلال أو كسلطة دينية ببساطة ( كما ينظر لها طرفا النزاع ) لأنك كي تحاكم أمرا ما فعليك أن تخضعه لمعايير العلوم المختصة وبحالة الدولة العثمانية نحن بصدد الاستعانة بعلوم كعلم التاريخ والانثربولوجيا ( علم دراسة الانسان والحضارة ) والثيولوجيا ( علم العقائد الدينية ) والسيسولوجيا ( علم الاجتماع ) .. واذا عدنا في التاريخ للوراء لوجدنا أن الدولة العثمانية سيطرت أو احتلت الوطن العربي في مطلع 1516 واستمرت هذه السيطرة او الاحتلال ( سمها ما شئت ) طيلة 400 عاما ,وبالتالي نحن أمام مرحلة زمنية طويلة لا يمكن اخضاعها لقوانين واحدة ,فبداية الدولة العثمانية مغايرة تماما لنهايتها ,ليس فقط على صعيد الدول العربية بل على صعيد الاتراك أنفسهم !
وبالتالي اذا ما اردنا أن نسمي شهداء 6 ايار ( خونة ) لانهم ناهضوا الدولة العثمانية وطالبوا باستقلال الدول العربية عنها ,فالحري بنا أن نصف الاتراك انفسهم ( وهم من صلب الدولة العثمانية ) بالخونة ايضا ,فمن طالب بإنهاء الدولة والخلافة العثمانية هم العلمانيون الاتراك بقيادة كمال اتاتورك ,وهذا التحليل البسيط يقودنا لفهم لب القضية الحقيقي وهي الصراع ما بين ( الدين والقومية ) !
بالتالي يمكن ملاحظة أننا بصدد معسكرين , الاول معسكر ينظر للدولة العثمانية من منظور ديني على أساس أنها دولة خلافة تجمع المسلمين وتوحد كلمتهم ,وأن كل من قام بمناهضتها والتحالف مع اعداءها ضدها ,ما هو الا عميل متأمر ومن الطبيعي أن يقتل حتى لو كانت الدولة العثمانية ظالمة ومستبدة ( لأن بنظرهم هناك اجماع بعدم جواز الخروج عن الحاكم ,رغم أن هذا الامر خاطئ بكل المقاييس وسنعود لشرحه مستقبلا وكيف اندس بالشريعة الاسلامية )
والمعسكر الثاني ينظر للدولة العثمانية من منظور قومي ,وانها دولة احتلال وقامت باحتلال الدول العربية ومارست صنوف الظلم ومحاولة ( تتريك الشعوب .. جعلها تركية ) وطمس هويتها وقوميتها وصهرها في الكيان التركي العثماني ,, وهذا الكيان يرى أن الدولة العثمانية كيان محتل ويجب مقاومته انطلاقا من المنظور القومي ,وليس بالضرورة وجود تعارض مع المنظور الديني ,بمعنى أن المناهضين للدولة العثمانية من منطلق قومي كانوا مسلمون سنة وغير ديانات !
وبعد ان حددنا معسكري الصراع ,يجب ان نحدد البيئة الاجتماعية والاقليمية والدولية ,فعبر امتداد 400 عام لا يمكن القول أن مناهضة الدولة العثمانية كانت حاضرة بشكل دائم ,لان البيئة التي كانت سائدة عند قدوم الدولة العثمانية كانت بيئة تساعد العثمانيين على بسط سيطرتهم على الدول العربية باعتبار ان فكرة الامبراطوريات كانت حاضرة والشعوب معتادة على حكم الاقوى وخاصة أن هذا الاقوى هو من نفس عقيدة الاسلام السني ,فلا مشكلة ولا ضير اذا كان سيحقق للشعوب امان ورفاهية أكثر من الحكم السابق !
ولكن المناهضة الفعلية للدولة العثمانية من قبل العرب بدأت مع مرور الزمن والسنين وتطور الفكر الانساني وتحرره من النظم الدينية والعودة للنظم القومية والمناطقية ,فالعرب استلهموا تجربة التحرر من الدولة العثمانية من حركات اوروبية بدأت تعنى بالقوميات كأساس لتشكيل الوطن والدولة مع نبذ سلطات الاحتلال ,وهذا الامر انطبق على الدولة العثمانية التي واجهت حركات تحرر في بلدان كانت تسيطر عليها خاصة في البلقان في اوروبا الشرقية والتي ثارت على الدولة العثمانية حتى نالت استقلالها !
امر أخر مهم جدا ساهم في نمو حركة التحرر العربي من السلطة العثمانية وهو الوضع الاقتصادي المتردي الذي كانت تعيشه اغلب الدول العربية في ظل الخلافة العثمانية ,مقارنة بالرفاهية التي كان يعيشها السلاطين العثمانيون وامراءهم ورجال القصر ,واهمال الدولة العثمانية للامن والامان وبدء الثورات ضد الدولة والانقسام عنها ,بالاضافة الى محاولة العثمانيين طمس الهوية العربية كما اسلفنا ,كلها عوامل ساعدت في نمو الوعي القومي العربي المناهض للعثمانيين ,كما ان التغيرات السياسية التي خضع لها العالم وخاصة مع بداية الحرب العالمية الاولى ودخول الدولة العثمانية بها وتحمل اثارها الكارثية على الدول الخاضعة للحكم العثماني ,, كلها عوامل اسهمت في ازدياد مناهضة الدولة العثمانية من قبل قوى التحرر العربية.
ونعود ..
من كل ما سبق ذكره يمكن أن نفهم ماهية الصراع ,وهل شهداء ايار كانوا عملاء وكفار ومرتدون وجب قتلهم ام انهم شخصيات وطنية عربية قومية دفعوا حياتهم ثمن حريتهم من الاستبداد وقوميتهم العربية ,اذا كنت ترى الأمر من منظور ديني ( حسب رؤية علماء الدين لا القرآن ) فهم متأمرون وخونة ,واذا كنت تنظر للموضوع بوجهة نظر قومية عربية فهم مناضلون وثائرون وشهداء !
وعبر تاريخ هذا الصراع شكلت هذه المادة جدلا كبيرا في التاريخ ومن ثم في قواعد القانون الدولي لاحقا في زمننا المعاصر ,وهل كانت الدولة العثمانية دولة احتلال أم انها وريثة خلافة عباسية حفظت في الدولة المملوكية ؟ ولا شك أننا حتى نفهم هذا الامر بشكل أدق يجب أن نعود ادراجنا نحو الخلافة الاموية وهل الخلافة الاموية كانت خلافة شرعية كما أمرنا الله بها ؟ ام انها سلطة أمر واقع فرضت على المسلمين بوراثة العرش والخلافة ؟ وبين هذه الفترة وتلك الفترة ,تتقافز في وجهنا عشرات الاسئلة التي يجب ان نجاوب عليها لنصل لحقيقة الأمر !
وأختم ..
دائما ما ننشغل بالتاريخ وننسى الحاضر وهي ميزة الشعوب المتخلفة عموما لا تهتم بالحاضر والمستقبل ,وسواء أكانت الدولة العثمانية احتلال ام خلافة فإن الامر اصبح من الماضي الذي لا يعنينا الا بسرديات التاريخ التي يصيغها المنتصر دائما كما يحلو له ,ولغاية هذه اللحظة الشعوب منقسمة حول هتلر هل كان بطلا بوجه الامبرالية ام انه عدو للانسانية ,وسيبقى التاريخ مثارا للجدل للدول التي لا تملك من امرها سوا الصراع على الماضي ,, والافضل من الاهتمام بتغيير هذه المناهج هو التوجه لتغيير المناهج العلمية القديمة والبالية والتي جار عليها الزمن أفضل من الثرثرة على ضفاف الماضي !
لماذا تتغير مناهج التاريخ ..
وهل الدولة العثمانية احتلال !؟
كل الشكر لمن ساهم بدعم المقال ونشره ولوقتكم الثمين الذي اضعتموه بالقراءة وهو عندي لا يقدر بثمن
======
	    