الضلال ,ضرورة التصالح مع الذات….
م.بيطار ,روبا منصور :
على الماضي الذي يريد أن يكون محترما , أن يمثل عملية تحرير متبادلة مع الحاضر , على الماضي الذي يريد البقاء جزئيا ضروري أن يتخلص من مفهوم “المنافسة ” مع الحاضر , فالحاضر لايتصالح مع منافسيه الذين يريدون الحلول محله بعد الغائه ,في التزاحم والمنافسة تكمن “الضدية” المنتجة للرفض والعدوانية , وكل ذلك ينتج العنف , الذي يهيمن على تفاعل الاضداد,شعوب هذا الجزء من الشرق في البلد الواحد أضداد .
يعني التحرير المتبادل بين الماضي والحاضر , تحرير الماضي من معايير الحاضر ,كالاعتراف بما يسمى السياق التاريخي , وتحرير الحاضر من الماضي باعطاء الحاضر سياقا تاريخيا خاصا به , أي استقلالية كل من الماضي والحاضر , التصالح مع الماضي يعني انهاء حالة الصدام مع الماضي , عن طريق محاكمته واطلاق الحكم المناسب عليه ثم تنفيذ الحكم ليصبح الماضي بعد ذلك بريئ , الحاضر يتبرأ من الأجزاء السيئة من الماضي , وبالتالي يستنكرها ويستنكف عن ممارستها في الحاضر, ثم يضمن استمرارية حياة الشعوب بممارسة التعويض المادي والمعنوي للسيئ من الماضي المجرم , هذا بشكل ملخص مافعلته المانيا , لقد استنكرت الأجزاء السيئة من الماضي , واستنكفت عن ممارستها حاضرا , ووعدت بعدم ممارستها مستقبلا , ثم عوضت عن الأضرار التي الحقها الماضي بالذات والغير , معنويا عن طريق الاعتذار الأهم مقارنة من التعويض المادي , حررت المانيا نفسها من أثقال “الذنوب ” واللعنة , وتفرغت لبناء حاضرا ومستقبلا يليق بشعب أخطأ ,انعتقت من أثقال الخطيئة والاجرام ,الذي مارسته من خلال القيصرية والهتلرية .
أما المستعربون والمبتلون بثقافة خير أمة وثقافة الحق البدوي أي شرعية السرقة وغنائم الحرب , ثم انعدام أو على الأقل ضمور ثقافة الاعتذار , فلم يتمكنوا لحد الآن من تحرير الحاضر من أثقال الماضي, لقد تم احتلال اسبانيا لحوالي سبعة قرون , بالرغم من ذلك لازال هناك من يدافع عن الاحتلال , ويعتبره نعمة للاسبان وكان عليه أن يستمر او حتى يستعاد ,ولكنه لم يستمر ولا يمكن له أن يستمر او يستعاد , لم يستمر العطاء البدوي الحضاري في اسبانيا!!!!!!!!!! , وكأن البدوية تملك شيئا من الحضارة , التي يمكن للشعوب الأخرى الاستفادة من فائضها , الذي أنتجته الصحراء الشفهية , بقدرة قادر تمكنت اللاحضارة من تحضير الاسبان وأهل الشام والفراعنة وبلاد فارس , التحضير التكاذبي أمتد الى الهند والى حدود الصين , وعندما تسأل من أين أتى البدو بتلك الحضارة التي فرضت على شعوب الحرف في بلاد الشام , ثم شعوب القانون الروماني وشعوب الفلسفة الهيلينية وشعوب التحضر البيزنطي, تجد نفسك بقدرة قادر مختنقا ومرجوما بوابل من الاتهامات , كحاقد على العروبة وكاره للمحمدية !
لقد قضت القبائل الجرمانية المتوحشة على روما وانهت وجود الدولة الرومانية , ومن يسأل احفاد القبائل الجرمانية عن فعلة القبائل قبل حوالي 1500 سنة , سوف يجيبك 100% منهم بأن الفعلة كانت انحطاطية , وهذه الفعلة لم تمنعهم من أخذ العديد من معالم الحضارة الرومانية المغدورة , لقداخذت اوروبا القانون الروماني والقوانين الأوروبية تسمى لحد الآن رومانية , وأسست حضارتها الحالية على هذا القانون , لم يؤسسوها على حضارة القبائل الجرمانية التي لاتختلف عن حضارة قبائل الجزيرة العربية في العديد من معالمها .
تأسست الحضارة العالمية الحالية على الهيلينية التي امتدت من القرن الرابع قبل الميلاد الى القرن الخامس بعد الميلاد , كانت حضارة عملاقة سياسيا وثقافيا وفنيا وفلسفيا, من خصائصها كان الانفتاح والعلوم كالهندسة والأدب (الاليازدة والأوديسة) ثم الفكرة الأولومبية والفلسفة , مثل سقراط وأرسطو وافلاطون والمئات غيرهم , الهيلينية ترجمة للحرية التي يحتاجها كل انسان , وهل يحتاج الانسان عموما الى البدوية وغزواتها ؟؟؟, لم تتقدم شعوب هذه المنطقة لأنها لم تتمكن من الانعتاق والتحرر من العوائق, والبدوية كانت ولا تزال من أهم العوائق .
عاشت بيزنطة حوالي ألف عام بعد سقوط روما على يد القبائل الجرمانية , وتدمير القسطنطينية كان على يد قبائل محمد الثاني أو كما يقال الفاتح مديحا , لقد حقق محمد الثاني ما أراد ابن عبد الله ومن بعده الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية , وتم انهاء وجود الحضارة البيزنطية كالمعتاد على يد الهمجية عام 1453 , ولكي لانبتعد عن الموضوع علينا أن نسأل البعض من شعوب هذه المنطقة عن هذه العملية , نظن بأن عدد لابأس به سينتصب مفتخرا بفعلة محمد الثاني باحتلال القسطنطينية وانهاء الوجود البيزنطي , الذي أكمله اردوغان بتحويل كنيسة آيا صوفيا الى مسجد , لم يتألم العموم من أفراد شعوب هذه المنطقة على ابادة البيزنطيين على يد محمد الفاتح ولم يستنكروا احتلال آيا صوفيا من قبل اردوغان , ولكنهم يؤيدون هجمة طوفان الأقصى الحماسية , هنا نجد أسوء شكل من اشكال المصالحة مع الماضي ومع الذات ايضا , فكيف لهذه الشعوب الوقوف في هذا العصر مع الفاتح محمدالثاني ومع اردوغان , في الوقت الذي تعاني به الشعوب من “فتوحات “او احتلالات الغير لبلدانها , الشعوب على مايبدو تائهة فصامية .
قد يتعجب البعض عندما يسمعون مصطلح التصالح مع الذات , فهل يتواجد الانسان وذاته في حلقة مصارعة حتى يحتاج الى مصالحة ؟ نعم يحتاج كل انسان الى مصالحة مع نفسه , ويقوم هذا الصراع على اختلاف الانسان مع ضميره , اي عندما تريد “ذات” الانسان شيئا ويقوم الجسد بعكسه , تعاني شعوب المنطقة من الاستعمار واحتلال مناطقها وبالتالي ترفض الاستعمار بحق , ولكنها في نفس الوقت تمجد الفتوحات وتمجد الجزية وتمجد العهدة العمرية العمرية ,تمجد احتلال آيا صوفيا وتستنكر الحاق الأذي بالأقصى , تمجد الأصولية الاخونجية ولكنها لاتلجأ الى افغانستان انما الى بلاد الألمان , لايمكن لهذه الازدواجية او الفصامية الا أن تترافق مع صراع داخلي اي مع صراع مع الذات ,ولا أمل في شفاء من لايشعر بهذا الصراع من هذا المرض , الوعي بالذات هو من أرقى أشكال الوعي , ومن الوعي بالذات ينطلق الوعي بالمحيط العالمي, الممثل للاساس الذي تبنى عليه الحضارة الانسانية.
Post Views: 26