ممدوح بيطار . ميرا البيطار …. الجزء الثاني
يبرهن الواقع عن وجود حقان يمثلان الايمان بوجود الله والانسان معا , اي اننا نقف امام ثنائية حق الله وحق الانسان ,وكلاهما مفروض من ناحية ارهاب الله وترهيباته وترغيباته من ناحية , ومن ناحية أخرى ضرورة الحياة الاجتماعية في عصر الدولة اي حقوق الانسان , الذي سوف لن يتغير على المدى المنظور , لذا يظن البعض انه لابد من اختيار حق الله او حق الانسان او كلاهما معا .
يتخلف تطور الطرف الالهي الديني عن تطور الانسان , بكون الطرف الديني بطبيعته تعصبي لأنه مطلق وايماني , ففي الانسانية التي تمثل العلمانية طبيعتها يتراجع حضور الله بوصفه الآمر الناهي الجبار المقتدر , بينما يتراجع حضور الانسان في الثقافة الدينية المبنية على التعصب الكاره الرافض للآخر والمتمرد على الحياة الاجتماعية , المخلوق الديني لا اجتماعي اي اممي , الاجتماعي منظم لشكل الدولة التي تقوم على مجتمع ,بينما الديني يقوم على أساس الأمة اي أممي خارق لحدود الدولة , التي يرفضها أصلا .
لكي يصبح خيار المخلوق البشري سهلا يجب الغاء احد الأطراف نظريا , اما الغاء الانسان او الغاء الله ,تكمن مشكلة الله في ان الانسان لايريد الانتحار وبالتالي الغاء نفسه , ولم يعد مريدا لالغاء حياته الأرضية طمعا بحياة السماء في الجنة التي وعد بها , التي يزداد الشك بها وبمصداقيتها , لذا لم يبق للانسان سوى الغاء منافسه السماوي , تطور التاريخ اثبت أن الالغاء ممكن وسهل جدا كما هو الحال في معظم دول العالم , بل في أكبر دولة في العالم أي الصين , حيث يعتبر الايمان بالله مثلا حسب الطريقة المحمدية مرضا نفسيا يجب معالجته طبيا , هنا تم تغييب الله واعيد للانسان اعتباره.
لايقصد بالحياة المشتركة من منظور علم الاجتماع نوعا من التجانس القسري التام من نوع اسلم والا لن تسلم , اي جماعة اللون الواحد التي تحتضن القسر والاجبار والانصياع الشكلي او الفعلي, انما مايكفي من القواسم المشتركة التي يختلف حجمها ومستواها ونوعيتها من مجتمع لآخر , الحياة السياسية هي حياة اجتماعية , وبما أن الانتماء الديني شخصي وليس اجتماعي فهو بالتالي ليس سياسي , أساس العلمانية سياسي اي اجتماعي, ولاعلاقة للدين اصلا بالأمر الاجتماعي -السياسي , اذن لاوجود للدين في العلمانيىة كسياسة اجتماعية, ولا وجود للعلمانية على مستوى الايمان او الاعتقاد الفردي الشخصي, لذلك لاتوافق بين الدينية والعلمانية على المستوى السياسي وهناك توافق بين العلمانية والدينية على المستوى الشخصي , الذي لاتتدخل العلمانية به , من هنا يمكن القول انه لاوجود لالغاء الآخر سوى على بعض المستويات ولا ضرورة للمزج بينهما على كافة المستويات , ولا ترغم العلمانية الفرد لكي يعيش خارج الله ولا حاجة للتفاهم بينهما, ويمكن للعلمانية , التي لاتريد ان تكون لها علاقة مع الله علي المستوى السياسي ان تعيش الى جانب الله او من يؤمن به على المستوى الشخصي, فغياب الله ليس ضرورة علمانية , يستطيع الفرد الديني ان يحيى بالله وأن يذوب به وأن يفنى به ومن اجله بشرط عدم افناء أو الحاق الضرر بغيره .
مع فصل الدين عن الدولة سيجد رجال الدين اي الدين عمليا الكثير من الصعوبات, منها ومن أهمها انعدام سبل الاسترزاق او غنام الحرب على المجتمع السياسي ثم تحول الدين الى مستعمر للمجتمع اي للسياسة , لايريد هؤلاء لبس العمامة والجلابية بدون منافع مادية , كما كانت اول الفتوحات بعد ولادة الدعوة بعدد قليل من السنوات اي بعدد لايكفي لزرع الايمان في عقول الناس انما يكفي من أجل تكوين عصابة سرقة ونهب اي غنائم الحرب , بدون المنفعة سيذبل رجال الدين ويذبل تدينهم, الذي كان أصلا شكلي , وهذا يعني نظريا تحول الدين الى مجموع طقوس جافة مكررة اي الى عادة بدون عبادة ,لم يكن الدين غير ذلك و لم يكن رجال الدين الا مرتزقة , ليس في الدين عمليا نزعة روحية أو اخلاقية بدليل ما تعرفنا علية من الادبيات القديمة , ومانعاصره الآن في الجماعات الدينية من انعدام او قلة الأخلاق المرافقة لكثرة المال كما هو حال عبد الله رشدي والحويني والشعراوي والغزالي والقراضاوي وغيرهم , لاوجود عند هؤلاء وأشباههم للروحانيات انما فقط للماديات , فصل الدين عن الدولة سيفقرهم , ويحي الشعب , حياة الشعب لم تهمهم ولن تهمهم .
لايمكن جمع التعصب الديني مع اي موقف آخر ان كان متطرفا او وسطيا او غير ذلك , لأن التعصب الدين نرجسي عاشق لنفسه لا يقبل سوى استسلام الآخر له وركوعه امامه , تكمن المفارقة في كون الايمان الديني شخصي فردي , بينما يتصرف رجال الدين وكأن الدين منظومة اجتماعية , اي منظومة سياسية , انها ليست كذلك , ولكون المنظومة الدينية متعصبة بفض النظر عن كونها متطرفة او ليست متطرفة , لذلك تعتبر سببا رئيسيا من اسباب الخلاف والعداء , الذي يلزم حتى التطرف العلماني على الغاء الطرف الديني من الحوار والاعتبار , فالدينية متعصبة بطبيعتها ومن طبيعتها تبعا لذلك تحديد هوية الغير حسب مزاجها , ومزاج التعصب الديني ليس فسيفسائي انما وحيد اللون , ووحدة اللون تهدر القيم المشتركة وغير المشتركة وحتى ضمن الدين الواحد يتم تطبيق نفس الاسس لأن الهوية المذهبية خاصة بالبعض , الهوية المحمدية العامة مختصة بالقواسم المشتركة او المشتركات بين هؤلاء البعض بشكل عام .
لاموجب للحوار بين العلمانية والدين عند فصل الدين عن الدولة كما هو الحال في الأغلبية الساحقة من مجتمعات ودول العالم, ولا لزوم لفك الاشتباك بين الدينية والعلمانية , لأنه لكل منهما فضائه الخاص به , ولا لزوم للمطالبة بتجديد الخطاب الديني , لأن العلمانية ليست مسؤولة او وصية على الخطاب الديني ولا امل بأي تغيير , لأن مايسمى الاصلاح الديني لم يثمر بعد العديد من المحاولات وبعد العديد من المحاولات لانعرف حقيقة كيف تمت محاولات الاصلاح الفاشلة, هل بالناسخ والمنسوخ اي بالغاء سورة البقرة مثلا , التقديس لايسمح بأي تغيير ولا وجود للناسخ والمنسوخ اي لالغاء بعض النصوص والآيات في هذا العصر
Post Views: 71