انها سوريا !, التي يولد بها الانسان ويموت في نفس اللحظة…

جورج  بنا  , مها   البيطار :

       بالعودة الى التاريخ وثوراته نجد عدة أنواع من الثورات ونجد أيضا عدة أنواع من الأنظمة التي ثارت الشعوب عليها  , نجد أنظمة أقل عنفا وأخرى أكثر  عنفا ,عموما   من الملاحظ اقتران الثورات ضد الأنظمة التي تستخدم   التطويع والاخضاع والقسر   والعنف مع  ممارسة   العنف  المضاد  ,الذي  كان  في بعض الحالات  موازيا  لعنف السلطات, وفي بعضها الآخر  أشد من عنف السلطات   .

     نظرا لعنف السلطة  في  سوريا  كان من المتوقع أن تتنكص  الثورة السورية من  عام  ٢٠١١ الى   منهج العنف أيضا , ولا مأخذ على ذلك !! , لأن الأسدية الممارسة للعنف لاتفهم الا لغة العنف ,السلطة ألغت كل امكانيات  الحياة الطبيعية  عن طريق أجهزتها الأمنية السبع عشر على الأقل ,وبذلك سيطرت السلطة على المجال العام اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا ,واستحوزت على كل مادي ومعنوي ,ولتمويل مرتزقتها جندت الفساد   والكبتاغون وغير  ذلك , الفساد  أكل الأخضر واليابس ,بشكل عام  نعتقد  بأنه كان من المستحيل بقاء الثورة في حلة التظاهرات السلمية ,وتحولها الى العسكرة والعنف كان امرا حتميا وضروريا , انسجاما مع الضرورة ومع التطورالممكن   في هذه الحالة ,    يمكن  من  القول بأن ثورات الشعوب تكون  في  العديد  من  الحالات  على شاكلة حكامها,  عنف  مواز  لعنف   آخر !.

   لامنطقية للعنف عندما تكون الأنظمة   الظالمة  قادرة على استيعاب وتفهم تأزمها الذاتي, وقادرة   على استيعاب وفهم تطلعات الشعب  ,الا أن الأسدية رأت  استنادا على عدة استفتاءات    نتيجتها  المزورة  كانت   ٩٩٪  وفي  بعض  الحالات  ١٠٠٪ تاييدا للسلطة الأسدية  , أي  أنه بهذه   النسب    لاوجود لمعارضة ,أي أن النظام خال من النواقص والعيوب التي تستدعي وجود معارضة ,لذلك   لم   يستوعب  هذا  النظام  الأعمى  تطلعات   الشعب واحتجاجاته  وتظاهراته  واعتبرها  اعمال شغب حركتها مؤامرة دنيئة قامت بتحريك عملائها من خونة الداخل للنيل من نظام تقدمي  سيصنع سوريا الحديثة ..  سوريا الأسد…سوريا المقاومة والممانعة..  سوريا الشعب العظيم الذي يقف وراء قيادته مضحيا بالغالي والرخيص من أجلها ومن أجل مسيرة التقدم والتحديث والبناء التي بدأها القائد الخالد واستمر   بها   القائد الى الأبد بشار حافظ الأسد , نظام متخشب بهذا الشكل لايفهم لغة التظاهر لأنه لايرى سببا للتظاهر, ومن   جاء   بعد   الأسد  كان  كالأسد   لابل  أسوء  منه .

     بدأت ثورة عام ٢٠١١بعد   شهور من   اندلاعها خاصة  بعد  ٢٠١٢  بالتنكص  باتجاه العنف  , هنا  تأسس الجيش الحر  المؤلف  من  العسكريين  المنشقين ,نال  هذا   الجيش  الترحيب  والقبول  من جهات عديدة في الخارج وتأييدا في الداخل ,ونجح الجيش الحر في العديد من المواجهات مع كتائب الأسد ,  سار كل شيئ على مايرام الى أن ظهرت الفصائل المسلحة   الجهادية  كمنافس وعدو له , فالفصائل   لاتريد ما أرادته ثورة  ٢٠١١  وما   أراده  الجيش الحر ,والفصائل لاتريد الأسدية  ايضا  ,التي ظن البعض بأنه بينها وبين السقوط أياما أو أشهر,لذلك سارعت الفصائل  الجهادية  بالقضاء على السلطة المنتظرة  اي سلطة  الجيش  الحر  بعد سقوط الأسدية ,  كان للفصائل ما أرادت وتم القضاء تقريبا  على الجيش الحر وتم احتكار  العمل العسكري  ضد الأسدية من قبل الفصائل   الجهادية  ,التي برهنت عن طريق ممارساتها وافكارها وشعاراتها بأنها ليست فقط على شاكلة النظام الأسدي , انما أسوء من الاسدية في كافة المعايير,  مما  قاد   الى تغير  المواقف  خاصة  الخارجية ,ففي   البدء   كانت   الأولية للقضاء   على  الأسدية  ,  تحولت   الأولية  لتصبح   القضاء  على   الفصائل  الجهادية     حوالي  عام  ٢٠١٦ ,   انطلاقا  من  اعتبار  الفصائل  الجهادية   اسوء  من  الاسدية   بدأ   التحالف   الدولي  بالحرب   على   الفصائل , وبذلك      انقلبت   الأسدية  من حالة   الهزيمة  الى  حالة  الانتصار  وبالتالي البقاء والعودة الى نقطة الصفر من عام ٢٠١١ ,ولكن   من رفض  الأسدية لم  يتمكن  منطقيا من تقبل الفصائل الجهادية , لذلك تحول العديد من السوريين الى الرمادية ,  ثم   هناك  من اعاد  الاعتبار   للأسدية    لكونها    متفوقة   اخلاقيا    على   الفصائل  الجهادية  خاصة  داعش .

      خارجيا تناقص الدعم للقوى  التي  حاربت   الأسدية  مثل   الجيش   الحر ,  وتوقف  على ما نظن  عام ٢٠١٦ خاصة بعد أن فشلت عدة محاولات لتشكيل قوة عسكرية  مختلفة   عن   الفصائل  الأصولية  الجهادية  ,  التي   لم  يريدها  سوى   الاسلاميون ,  الذين ظنوا    أن    الفرصة السانحة لاقتناص السلطة أتت وما عليهم الا القضاء على الجيش الحر وعلى ثورة ٢٠١١ المقبولة داخليا وخارجيا ثم القضاء على الاسدية المتهالكة , وهكذا أصبحت الخلافة  قريبة جدا من التحقيق , الا أن حسابات بيدرهم لم تنطبق على حسابات حقلهم ,وهكذا قاد  جهادهم  بالمجمل الى تثبيت الأسدية على الكرسي  مبدئيا  والقضاء على الثورة وعلى الحلم السوري, بالرغم  من   ذلك  تلاشت   الاسدية اواخر  عام   ٢٠٢٤  نهائيا,  مما   قاد الى سهولة  تسليم   السلطة للفريق   المسلح   الوحيد   , الذي  كان   هيئة   تحرير   الشام ,الهيئة  لم   تكن   ثورة  لأن  شروط   الثورة   لاتنطبق   عليها ,  لتسليمها     السلطة من   قبل   قوى   خارجية كانت   هناك   عدة   اسباب  منها  توقيع  اتفاق  مع   اسرائيل بالشكل  الذي   تريده   اسرائيل , بعد   أن  رفضت  الاسدية    توقيع   اتفاق  من  هذا  النوع  مع   اسرائيل ,عمليا   الجولاني   لم   يحرر  وليس   له  أن  يقرر .

        لا نظن  بدقة القول بأن    الأصولية الجهادية  سرقت  الثورة ,من يسرق الشيئ  يستخدمه , ومن  يسرق   ثورة   يتحول   الى  ثائر  ,   ثيران   الأصولية لم  يكونو  ثوار   ولم  يتحولوا   الى  ثوار ,لابل  كانت  ثورة  ٢٠١١   حقيقة عدوهم الخطر ذات  السمعة الجيدة والمرشحة لخلافة الأسدية , لذلك عاجلت   الأصولية  بالقضاء على الخلف قبل السلف , لم يسرقوا الثورة انما حاربوها وحاربوا  الجيش  الحر كخصوم  أخطر عليهم من خطر الأسدية  التي  تشبههم ,بخصوص  الأسدية كانت  المنافسة   على  السلطة مبدأهم  وليس  تحرير   الشعب  من  براثن  الأسدية ,لقد  تمكنوا من   البرهنة  خلال   اشهر  فقط    انهم  بما  يخص   الحرية  والتحرير وارتكاب   المجازر   والعنف   والاتفاق  مع  اسرائيل حسب   الشروط  الاسرائيلية   اسوء  من   الأسدية   بدرجات. 

       العنف حتمي في  العديد  من  الحالات , وفي الحالة السورية كان ضروري ومنطقي بشرط أن يكون استمرارا لجوهر   الثورة  السلمية بوسائل أخرى , لم يمارس  الجهاديون   سوى العنف والغوغائية والتوحش والمجازر  ,  فكريا كانوا أبعد عن روح الثورة من بعد الأسدية عنها , لقد كانوا النقيض الكامل لروح الثورة وحاجات الشعب ,  كانوا ولا يزالون الفئة الدونية المنحطة التي حطمت أحلام الشعب السوري بعد أن اقترب هذا الشعب من تحقيقها, بعد أن بلغ القهر حد الترف والتفنن في ممارسته , وبلغ الفساد  حجما لاشبيه له في التاريخ , وبلغ اليأس وانعدام الأفق شكلا  اسطوريا ,حيث تماهى الموت   مع   الحياة, مما  سمح بالقول ان الانسان السوري يولد ويموت في نفس اللحظة .

          لا نستطيع تبرئة  انفسنا  وتبرئة  العديد  من السوريين الذي غضوا النظر عن خواص   الاصولية  الدينية   وانبهروا بانتصارات  هذه  الأصولية  العسكرية ,لقد سيطر “عصاب” الأسد على   العديد  من عقول السوريين, الذين ظنوا بأنه لاوجود لما هو أسوء من الأسدية, وبأن القضاء على الأسدية تجريدا كان الهدف مهما كانت النتائج , ولكن بعد  السكرة أتت الفكرة , خسرت سوريا  الثورة وخسرت البلاد بنيتها التحتية وتشرد أكثر من نصف الشعب السوري وجاع النصف الآخر وعن التقتيل والترمل واليتامي  والتشتت والتقسيم واستعمار  البلاد  داخليا  وبيعها لتوفير الأجور للمرتزقة والميلشيات الذين تدفقوا على البلاد من كل حد وصوب  فحدث  ولا  حرج  ,هذا مافعلناه بسوريا التي اردناها وطنا فحولناها الى مقبرة   وخراب بمساحة  ١٨٥  الف  كم٢    !.

         لقد  انتقلت  البلاد  من   المطب   الأسدي  الى  المطب  الجولاني الأسوء ,  لم  يحتاج  معظم  السوريون    لنصف  قرن  من   الزمن  لكي   يدركوا   حقيقة   الجولانية   , والجولانية   ساعدتهم  بكل  ما  تملك   من  حقارة   وانحدار   على  تسريع   ذلك   الادراك  واليقين عن  طريق  المجازر   والمشايخ   الذين   استلموا    الاشراف التنفيذي   على  كل  مؤسسات الكيان   السوري ,  الذي  لم  يكن  دولة  ولم  يتحول  بادارة     هيئة  تحرير   الشام   الى   دولة , وسوف  لن  يتحول   الى  دولة  !.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *