العرب من التعظم الى التقزم !
علق أحد الأصدقاء على الغزوات المحمدية بصيغة الاستنكار, قائلا ان صدر الاسلام قام ب٣٣ غزوة في ١١ سنة , اي بمعدل ثلاث غزوات كل سنة , مما دفع صديق آخر للتساؤل , اين هي المشلة في ٣٣ غزوة ,لطالما أمنت الغزوات للشعوب حرية الاعتقاد والعقيدة , وكيف يمكن فهم ضمان حرية الاعتقاد عن طريق غزوة لنشر اعتقادا آخر ؟ , اذن تناسبت فوائد الغزوات طردا مع عددها وعنفها وانتصاراتها العسكرية ثم قهر واستعباد الشعوب الأخرى .
صديقنا لم يتحدث عن موقف الشعوب المستهدفة من الغزو , ولم يسألهم عن رأيهم بغزو بلادهم , وماذا كان الصديق ليفعل كأحد سكان بلاد الشام لو فوجئ بأربعة جيوش وعشرات الآلاف من السيوف وهي تحاصر مدينته وتذبح كل من يقف في وجههم , ولم يشك اطلاقا بترحيب هذه الشعوب لتدفق الحضارة الصحراوية الى ديارهم , أي أن انحطاط شعوب بلاد الشلم قد حول هذه الشعوب الى قطعان تواقة لقدوم وصي بدوي يحضرها وينقذها من التأخر ويحررها من الاستعمار الروماني- الفارسي الغاشم , وليبقى البدو مدى الدهر حكاما, لم يعرف التاريخ أكثر منهم عدالة وانصافا , قال لو بون !
لاتتعلق المشكلة في هذه النظرة للموقف من أحداث مضت وانقضت وليس لها استمرارية في الحاضر, وانما بمشاكل الحاضر والمستقبل ,خاصة عند الشعوب التي تحولت الى هدف للغزو الخارجي كالشعوب العربية , فكيف سيتمكن شعب من الدفاع عن نفسه ضد الغزو الخارجي عندما يعتقد هذا الشعب بأن الغزو الخارجي أمرا محمودا ولا بد من المزيد منه , المزيد من الغزو يتناسب مع المزيد من الفائدة , والصديق المروج للغزوات فرق جهلا أوانحيازا بين غزواته كجندي افتراضي من جنود خالد أبن الوليد وغزواتهم كالرومانية أو غيرها , غزواته جيدة , وغزواتهم سيئة , غزواته نعمة وغزواتهم نقمة, وكأن الصديق يتكلم بلسان ابن الوليد وعبيدة وشرخبيل اضافة الى عمر ابن الخطاب وكل شلة القتلة اللصوص الفاتحين , التي اعتبرت الفتوحات واجبا دينيا من جهة , ومن جهة أخرى انقاذا لهذه الشعوب المتأخرة كشعوب بلاد الشام ,الصق مفهوم الانقاذ والتحرير كتبرير للغزوات البدوية مؤخر على يد المستعربين ,وهل كانت شعوب بلاد الشام حقا متأخرة مقارنة مع البدوية الحجازية ؟, لاعلاقة للفتوحات بغنائم الحرب والاستغلال والاستعباد كما يدعي البعض من القطيع المتصهين , جاء البدو لتحرير وانقاذ وتحضير هذه الشعوب بدون أجر ..لله تعالى !, فالله أراد لهذه الشعوب دينا جديدا(آخر تقليعة), الله اعتنق دين المصطفى , ودين الله أصبح المحمدية !.
رؤية الاحتلالات كعظمة والمحتل كعظيم أمر خطير جدا على حاضر ومستقبل الشعوب التي مارست الغزو, والتي لم تعد حاضرا مقتدرة حتى على الدفاع عن نفسها تجاه الغزو الخارجي كالشعوب العربية , التي اصابها الضعف والوهن ,فمن يعتقد بعظمة ظاهرة الغزو والانتصار والاحتلال , يقدم تبريرا وتفهما مبدئيا للغزو أي لغزوها من الخارج , لأن الغزو والانتصار عظمة !! , من يروج للغزو والاحتلال على أنه عظمة , لايتمكن منطقيا من رفض احتلال بلاده من قبل غزاة آخرين , فمن يؤيد احتلال اسبانيا كفتح مبين وعظمة لايستطيع رفض احتلال فلسطين من قبل الصهاينة , لأن من يستطيع احتلال فلسطين بالرغم من مقاومة مئات الملايين من العرب لهذا الاحتلال , لهو من أعظم العظماء ليس تاريخيا فقط وانما أخلاقيا ,وبنفس المنطق يجب اعتبار تحقيق الصهاينة لأمبراطورية من الفرات الى النيل عملا عظيما يستحق الثناء والفخر , أذا كان تأسيس الأمراطوريات عظمة , فالأمبراطورية الصهيونية بمنتهى العظمة!.
هناك معايير للعظمة التاريخية , فبمعيار العظمة التاريخية يجب اعتبار عمر ابن الخطاب وأمبراطوريته العربية البدوية من أعظم عظماء العالم , فهو الذي انتصر على الأميراطورية الفارسية وانتصر على الرومانية, وهذا المعيار يشمل الكثيرين الذين غيروا التاريخ المحلي والاقليمي والعالمي , مثله مثل بعض الفراعنة كرمسيس الثاني ودارا الفارسي ويوليوس قيصر وهانيبال وهرقل ومعاوية وعبد الملك والسفاح أول خليفة للعباسيين وصقر قريش والأيوبي وخالد ابن الوليد وجنكيز خان ثم هولاكو وتيمور لنك وسليم الأول ومحمد الفاتح وفردياند وايزابيلا والسلطان بيرس ثم محمد بن عبد الوهاب وهتلر وماوتسي تونج وستالين وعبد العزيز آل سعود والكثير غيرهم .
معيار العظمة التاريخية هذا زائف لعدم انسجامه مع الأخلاق والقيم العليا , وانما بمدى التأثير الاقليمي والعالمي لهؤلاء القادة ومقدرتهم على تغيير الواقع حربيا بما يضمن تأسيس أمبراطوريتهم وتأمين الحصول على غنائم الحرب , دون أخذ ارادة الشعوب الأخرى بعين الاعتبار , ودون مراعاة الملايين من القتلى , ثم بحور الدماء وجبال الجماجم والأشلاء ,والانتقال بعد ذلك الى الاستعباد والسلب والنهب, وضمان استمرارية كل ذلك عن طريق الدين الذي حارب به ومن أجله تلفيقا عمر ابن الخطاب ورفاقه , فتأثير البطل الذي استحق أو انتحل لقب العظيم , لايقتصر على المعركة التي انتصر بها ثم عواقبها المباشرة على الناس , وانما استمرار كل ذلك حتى الى أحفاد أحفاد الأحفاد , وفي حالنا العربي هناك استمرارا لتلك العقلية المريضة حتى هذه اللحظة , هناك من يقدس عمر , وتقديس ” العظماء ” الملوك والزعماء مستمر حتى هذه اللحظة , اخضاع واذلال الغير كعظمة انعكس داخليا بشكل اذلال واخضاع الشعوب , عقلية القنص وغنائم الحرب انعكست أيضا على الداخل بشكل فساد , استعمار الخارج انعكس الى الداخل كاستعمار داخلي , وماذا يفعل المصاب بلعنة الاستعمار عندما لايجد خارجيا ما يمكنه استعماره !,تذبيح الغير في الخارج تحول الى تذبيح الناس في الداخل , كل مافعلته الفتوحات مع شعوب الخارج تحول الى ممارسات في الداخل .
Post Views: 184