الثورة والعنف …….

 جورج  بنا,  ممدوح  بيطار  :

كاريكاتير الثورة – الثورة نت

 لاتوجد  خيارات ثورية وسائلية , وانما  يوجد شكل ثوري ووسيلة ثورية تلائم شكل مسبب الثورة  , فعندما كانت الشعوب محكومة بالسيف , حيث لا   انتخابات ولا أحزاب , ثار المحكومون بالسيف  وتصدى الحاكم لهم بالسيف , العنف كان الوسيلة الوحيدة التي مارستها الشعوب في ثوراتها   قديما , الا أن هذه الوسيلة تجد للأسف استمرارا لها في  حاضر  بعض المناطق , التي خرجت عن التطور التاريخي  وبقيت خارج  قوانين وقواعد التاريخ ,   ففي سوريا  مثلا لاوجود لوسائل التغيير  السلمية الديموقراطية ..عصيان مدني  … مظاهرات … ولا يوجد  مكان في البلاد خارج السجن  لقوى   التجديد المدنية السلمية مثل  المعارضة ,  حتى   الآن تعتبر  المعارضة تهمة يعاقب عليها ,,والحالة  لم  تتغير   حتى  بعد   سقوط   الأسدية  ,  لايمكن  لقوى معارضة  أن تفصح عن نفسها دون أن  تجري تصفيتها  , حتى فيزيائيا , شيوع فكرة العنف كوسيلة   للثورة  هو  صورة عن شيوع فكرة  العنف كوسيلة للحكم , وشيوع العنف السلطوي  سيقابله شيوع العنف الثوري شئنا  أم  أبينا .

   عموما من   الصعب    أن تستمر ثورة سلمية    في  كل  كيانات   هذه    المنطقة  ,  وذلك  لكون  الحكم    الجائر  الذي  تريد   الثورة   ازاحته    بطبيعته   عنفي   وفي   معظم  او   كل   الحالات  ولد   انقلابيا    عسكريا  من   رحم   العنف ,  هذه  كانت   القاعدة   المعمول   بها   في  منطقة  جاهلة   سياسيا   ومدمنة   على   العنف   والسيف ,    العنف   لايحترم    خيارات   الانسان ,  انما   يفرض  خياراته   علي    الانسان  ,!.

    الوضع  العربي   عموما   بحاجة   منذ   وقت   طويل    الى  تغيير  وتطوير   ثوري  ,  لذلك كانت   هناك بداية    ثورة  قي   سوريا عام ٢٠١١, هذه   الثورة انتزعت  من   يد   وعي   ثوري   ضعيف , وانتقلت   بسهولة  بالغة   من   يد السلم  الى يد  الحرب , والمفاجأة  المرة  هنا    كون  رجال  الحرب من  ألد    أعداء  ثورة   ٢٠١١ ,  رجال  الحرب  في   سوريا  لم  يمثلوا   استمرارا  للثورة  بوسائل  أخرى , لأن   أهدافهم  لاتمثل  نقيضا     للنظام  انما  تكريسا  لما  هو   أبشع  من  النظام , ثم  أن  اهدافهم  تمثل   نقيضا   لروح وأهداف   ثورة  ٢٠١١  , التي  كان  لها منطقيا وفي   ظرف  معين   أن  تتعسكر  بعسكرها  وليس  بعسكر  نقيضها  من    الأصولية الدينية  .

      لفت انتباهنا   ماقاله المفكر السوري  جورج طرابيشي ,  الذي   سبق  بتوقعاته عن  تطور  وتحليل   الثورات  الربيع العربي بزمن طويل , بناء       على  تحليلاته   للوضع العربي رأى طرابيشي     أن  غياب  البديل  البورجوازي   أي  الطبقة  الوسطى   في   هذه   المنطقة , سيقود حتما   الى صعود  الأصولية   , خاصة  في الشروط العينية للعالم العربي, الذي يتحكم في مقاديره, منذ   فترة   ليست   بالقصيرة  التوظيف الإيديولوجي والثقافي للدولارات النفطية لصالح الأصولية المحمدية  , فالعنف  الضروري  لاسقاط   حكم يتسم  بالعنف لم  يجد   في  ثوار ٢٠١١  من يستطيع   ممارسته   من   الثوار, لذلك  انتقل  بسهولة  الى  يد  الأصولية  المتمرسة   في   كار   الحروب  والعنف   ,  وتجاه ثورة   ٢٠١١ مارست العنف  وانهت   أي  مفعول  لهذه  الثورة.

من الجدير بالذكر   أن طرابيشي قصد  هنا  “بالبورجوازية” الطبقة الوسطى من الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة , ولم  يقصد  بورجوازية رأس المال الطفيلية , فالثورة الفرنسية مثلا   كانت  ثورة البورجوازية على النبلاء ورجال الدين , ومن يبحث عن البورجوازية في سوريا  أي عن الطبقة  الوسطى  لايجدها , وانما يجد  طبقة رديفة للنبلاء  , هي طبقة  الأثرياء الجدد , الذين  ملكوا   أكثر من 90% من  الثروات  الوطنية   السورية , طبقة لاتشبه نبلاء  فرنسا الا من ناحية تملك المادة  , انها طبقة من المهربين والسماسرة والمجرمين   شبيحة المال  وفساد الأعمال  , التي تعاقدت مع رجال الدين  على اقتسام السلطة  ,سماسرة السلطة لم يبخلوا على رجال الدين بشيئ تحت مستوى الكرسي ,  لهم قانون الأحوال الشخصية , ولهم مايشاؤون  من المساجد  والمجد  المادي   ومدارس تحفيظ القرآن  والصفوف  الأولى  في كل حفلة تطبيل وتزمير , الا أنه عليهم الحذر من الاقتراب من     الكرسي  , كما حاول سيد قطب الاقتراب , حيث كان نصيبه  خشبة المشنقة .

        تطورت الانسانية  وتطورت اساليب الحكم  , وبالتالي تطورت اساليب الثورات , هناك حالات تتطلب   تضافر سلاحين , سلاح السيف وسلاح القلم ,   لم تنجح ثورة  بالسيف فقط , انما كان القلم على درجة كبيرة من القوة التنويرية  الفكرية , بحيث  استطاع القلم أن ينشر  قيما فكرية جديدة  , ويخلع  عن   عقول الناس  طابع الجمود والخنوع,  لم تنجج    الثورة   الفرنسية   بمقصلة  دانتون  ومارا  وروبيسبير  و انما   بقلم   روسو   واسبينوزا,    في   مستنقع   صحالب   الدين    ,لاتنموا    ازهار   على  عبد   الرازق ,  انما    تتكاثر   طحالب   ابن   تيمية   وسيد   قطب  والمودودي .

 كان  القلم    في هذه  البلاد معاق  الى  درجة الشلل ,   ولم  يتمكن انتاج  القلم  الا  ماندر   من  اختراق  الحصار  الذي  فرضته الديكتاتوريات     على  عقول  الناس , فجملوكية   الأسد  منعت  تداول الفكر منعا باتا  وسمحت فقط بمواويل التمجيد والتلفيق والتصفيق  والتأليه , حتى أصبح في   البلاد   اله   آخر , لهذا   السبب   ولأسباب   أخرى خرجت   البلاد  من  التاريخ ,    مما   يعني   عدم   تمكنها   من   تقديم   اي   شيئ  للتاريخ   البشري   ,  اي   انها   عقيمة  مخصية ومنذ  وقت  طويل   ,  فتاريخ  العرب   بمجمله   كان   تاريخ    الخروج  من   التاريخ ,  اي   عدم   تقدمهم   حضاريا ,  وعدم   مقدرتهم     على التأثير    على   التاريخ   البشري ,  وحتى   عدم   مقدرتهم   على  مواجهة   التحديات  التاريخية    التي   تتوالد    بشكل   طبيعي    في   كل   المجموعات   البشرية, لم   تمثل    الفتوحات على  سبيل  المثال    الانتصار   انما   الانكسار ,  ولم   تقدم   الفتوحات   للبشرية     سوى   الشر  والمشاكل   والموت  والدم   والذل ,  لايمكن  للبدوية العرابية   ان   تفخر  بما  اسعدها وأحزن   باقي   البشرية  ,  لو   صحت آلية     فخر اعراب   البدو بالفتوحات وغنائم   الحرب    وسبي  البنات   ,  لكان   لأي   لص مجرم  مغتصب    ان   يفخر   باجرامه   ولصوصيته   واغتصابه.

ترافق  قيام   الأمبراطورية   العربية   البدوية مع   صعود   فئات   الثروات   واالامتيازات   ,  حتى  ان   ابن   عبد   الله   اصبح   من  خلال خمس   الغنائم  مليارديرا كما   قال   الشيخ  وجدي   غنيم ,  لو قادت   غزوة    على   يد    ٨٠٠  مجاهد      الى   سرقتة   ١٠٠٠ دينار, لكانت حصة  ابن عبد  الله٢٠٠    دينار  مقابل  حصة  كل  مجاهد  دينارا واحدا , بالرغم من   ذلك  قادت   الفتوحات   الى  انهمار   الأموال   والغنائم   على  بيوت   بيوت   المال خاصة  في الحقبة  الأموية,  حيث ذابت   الخطوط   الفاصلة   بين  أموال  الخليفة  وبين  اموال  بيت  المال ,  كل  ذلك   قاد   الى  نمو طبقة  الأثرياء  اللصوص    كما   هو    الوضع  الآن  في معظم الكيانات   العربية .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *