
لاتوجد خيارات ثورية وسائلية , وانما يوجد شكل ثوري ووسيلة ثورية تلائم شكل مسبب الثورة , فعندما كانت الشعوب محكومة بالسيف , حيث لا انتخابات ولا أحزاب , ثار المحكومون بالسيف وتصدى الحاكم لهم بالسيف , العنف كان الوسيلة الوحيدة التي مارستها الشعوب في ثوراتها قديما , الا أن هذه الوسيلة تجد للأسف استمرارا لها في حاضر بعض المناطق , التي خرجت عن التطور التاريخي وبقيت خارج قوانين وقواعد التاريخ , ففي سوريا مثلا لاوجود لوسائل التغيير السلمية الديموقراطية ..عصيان مدني … مظاهرات … ولا يوجد مكان في البلاد خارج السجن لقوى التجديد المدنية السلمية مثل المعارضة , حتى الآن تعتبر المعارضة تهمة يعاقب عليها ,,والحالة لم تتغير حتى بعد سقوط الأسدية , لايمكن لقوى معارضة أن تفصح عن نفسها دون أن تجري تصفيتها , حتى فيزيائيا , شيوع فكرة العنف كوسيلة للثورة هو صورة عن شيوع فكرة العنف كوسيلة للحكم , وشيوع العنف السلطوي سيقابله شيوع العنف الثوري شئنا أم أبينا .
عموما من الصعب أن تستمر ثورة سلمية في كل كيانات هذه المنطقة , وذلك لكون الحكم الجائر الذي تريد الثورة ازاحته بطبيعته عنفي وفي معظم او كل الحالات ولد انقلابيا عسكريا من رحم العنف , هذه كانت القاعدة المعمول بها في منطقة جاهلة سياسيا ومدمنة على العنف والسيف , العنف لايحترم خيارات الانسان , انما يفرض خياراته علي الانسان ,!.
الوضع العربي عموما بحاجة منذ وقت طويل الى تغيير وتطوير ثوري , لذلك كانت هناك بداية ثورة قي سوريا عام ٢٠١١, هذه الثورة انتزعت من يد وعي ثوري ضعيف , وانتقلت بسهولة بالغة من يد السلم الى يد الحرب , والمفاجأة المرة هنا كون رجال الحرب من ألد أعداء ثورة ٢٠١١ , رجال الحرب في سوريا لم يمثلوا استمرارا للثورة بوسائل أخرى , لأن أهدافهم لاتمثل نقيضا للنظام انما تكريسا لما هو أبشع من النظام , ثم أن اهدافهم تمثل نقيضا لروح وأهداف ثورة ٢٠١١ , التي كان لها منطقيا وفي ظرف معين أن تتعسكر بعسكرها وليس بعسكر نقيضها من الأصولية الدينية .
لفت انتباهنا ماقاله المفكر السوري جورج طرابيشي , الذي سبق بتوقعاته عن تطور وتحليل الثورات الربيع العربي بزمن طويل , بناء على تحليلاته للوضع العربي رأى طرابيشي أن غياب البديل البورجوازي أي الطبقة الوسطى في هذه المنطقة , سيقود حتما الى صعود الأصولية , خاصة في الشروط العينية للعالم العربي, الذي يتحكم في مقاديره, منذ فترة ليست بالقصيرة التوظيف الإيديولوجي والثقافي للدولارات النفطية لصالح الأصولية المحمدية , فالعنف الضروري لاسقاط حكم يتسم بالعنف لم يجد في ثوار ٢٠١١ من يستطيع ممارسته من الثوار, لذلك انتقل بسهولة الى يد الأصولية المتمرسة في كار الحروب والعنف , وتجاه ثورة ٢٠١١ مارست العنف وانهت أي مفعول لهذه الثورة.
من الجدير بالذكر أن طرابيشي قصد هنا “بالبورجوازية” الطبقة الوسطى من الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة , ولم يقصد بورجوازية رأس المال الطفيلية , فالثورة الفرنسية مثلا كانت ثورة البورجوازية على النبلاء ورجال الدين , ومن يبحث عن البورجوازية في سوريا أي عن الطبقة الوسطى لايجدها , وانما يجد طبقة رديفة للنبلاء , هي طبقة الأثرياء الجدد , الذين ملكوا أكثر من 90% من الثروات الوطنية السورية , طبقة لاتشبه نبلاء فرنسا الا من ناحية تملك المادة , انها طبقة من المهربين والسماسرة والمجرمين شبيحة المال وفساد الأعمال , التي تعاقدت مع رجال الدين على اقتسام السلطة ,سماسرة السلطة لم يبخلوا على رجال الدين بشيئ تحت مستوى الكرسي , لهم قانون الأحوال الشخصية , ولهم مايشاؤون من المساجد والمجد المادي ومدارس تحفيظ القرآن والصفوف الأولى في كل حفلة تطبيل وتزمير , الا أنه عليهم الحذر من الاقتراب من الكرسي , كما حاول سيد قطب الاقتراب , حيث كان نصيبه خشبة المشنقة .
تطورت الانسانية وتطورت اساليب الحكم , وبالتالي تطورت اساليب الثورات , هناك حالات تتطلب تضافر سلاحين , سلاح السيف وسلاح القلم , لم تنجح ثورة بالسيف فقط , انما كان القلم على درجة كبيرة من القوة التنويرية الفكرية , بحيث استطاع القلم أن ينشر قيما فكرية جديدة , ويخلع عن عقول الناس طابع الجمود والخنوع, لم تنجج الثورة الفرنسية بمقصلة دانتون ومارا وروبيسبير و انما بقلم روسو واسبينوزا, في مستنقع صحالب الدين ,لاتنموا ازهار على عبد الرازق , انما تتكاثر طحالب ابن تيمية وسيد قطب والمودودي .
كان القلم في هذه البلاد معاق الى درجة الشلل , ولم يتمكن انتاج القلم الا ماندر من اختراق الحصار الذي فرضته الديكتاتوريات على عقول الناس , فجملوكية الأسد منعت تداول الفكر منعا باتا وسمحت فقط بمواويل التمجيد والتلفيق والتصفيق والتأليه , حتى أصبح في البلاد اله آخر , لهذا السبب ولأسباب أخرى خرجت البلاد من التاريخ , مما يعني عدم تمكنها من تقديم اي شيئ للتاريخ البشري , اي انها عقيمة مخصية ومنذ وقت طويل , فتاريخ العرب بمجمله كان تاريخ الخروج من التاريخ , اي عدم تقدمهم حضاريا , وعدم مقدرتهم على التأثير على التاريخ البشري , وحتى عدم مقدرتهم على مواجهة التحديات التاريخية التي تتوالد بشكل طبيعي في كل المجموعات البشرية, لم تمثل الفتوحات على سبيل المثال الانتصار انما الانكسار , ولم تقدم الفتوحات للبشرية سوى الشر والمشاكل والموت والدم والذل , لايمكن للبدوية العرابية ان تفخر بما اسعدها وأحزن باقي البشرية , لو صحت آلية فخر اعراب البدو بالفتوحات وغنائم الحرب وسبي البنات , لكان لأي لص مجرم مغتصب ان يفخر باجرامه ولصوصيته واغتصابه.
ترافق قيام الأمبراطورية العربية البدوية مع صعود فئات الثروات واالامتيازات , حتى ان ابن عبد الله اصبح من خلال خمس الغنائم مليارديرا كما قال الشيخ وجدي غنيم , لو قادت غزوة على يد ٨٠٠ مجاهد الى سرقتة ١٠٠٠ دينار, لكانت حصة ابن عبد الله٢٠٠ دينار مقابل حصة كل مجاهد دينارا واحدا , بالرغم من ذلك قادت الفتوحات الى انهمار الأموال والغنائم على بيوت بيوت المال خاصة في الحقبة الأموية, حيث ذابت الخطوط الفاصلة بين أموال الخليفة وبين اموال بيت المال , كل ذلك قاد الى نمو طبقة الأثرياء اللصوص كما هو الوضع الآن في معظم الكيانات العربية .
Post Views: 464