بين أخلاق الدين ودين الأخلاق ..
ممدوح بيطار , مها بيطار :
سواء اعتبرنا علاقة الأخلاق بالايمان علاقة توافقية أوتعارضية أوموازية , فان ذلك لايؤثر على اشكالية السياق الزمني الذي تمت به صياغة قيما أخلاقية صالحة لذلك السياق , الا أنها فقدت بالتزامن وبسبب تغير الظروف الانسانية الحياتية الكثير من صلاحيتها أو حتى كلها, هل صحيح مايدعيه بعض سماسرة الدين من انه لا أخلاق بدون دين ؟؟ , تعريفا يقول علم الاجتماع ان الأخلاق هي المنظومة الضابطة للمسلكيات التي يمارسها الفرد والجماعة , والتي تتوافق عليها الجماعة المتطورة وبالتالي تتغير قواعد المنظومة الضابطة تبعا لتطور الانسان.
تقلصت الروحانيات السماوية , ليحل محلها الواقع الدنيوي المنضبط بالقوانين , التي تصنع على الأرض , ويطلق عليها اسم القوانين الوضعية , التي ترفضها السماء لكون مصدرها أرضي , واذا نظرنا الى الايمان السماوي بكونه عقائد وشرائع وأحكام ,فلا نرى في هذه العقائد والأحكام سوى مايقزم الانسان بالنسبة لخالقه الافتراضي, واقع يتميز بصغرية الانسان وكبر الوهم الالهي , التقزيم يحول الانسان الى مخلوق أكثر أنانية وعدائية , لأنه في هذه الحالة يحاول المعاوضة باسقاط التقزيم على الغير, وبالتالي الخلاف مع الغير , يصبح الانسان هنا اكثر تمركزا حول “الأنا ” وأكثر تعصبا وعنفا وجهادا دمويا لكسب رضى الخالق الذي قزمه واستعبده , ويظن انه ليس له غيره .
واقع الحياة يبرهن عن ازدياد النفاق وسوء الأخلاق طردا مع ازدياد استلاب عقل وارادة الانسان من قبل المعتقدات الجامدة ,فالشرائع السماوية السالبة للارادة والمعطلة للعقل تحمل كما هائلا من الاحكام والمفاهيم المتعارضة مع مايعتبره الانسان “أخلاق” , ومع ما يعتبره الانسان حقوق , لايستطيع العقل السليم الحر الخلوق الانسجام والتعايش طوعا مع مفاهيم وممارسات الغزو والسبي والرق والفرقة الناجية وقتل المرتد ولزوم البراءة من الكفار, والفتوحات والتدجيل الخاص بها من كونها مفروضة من الخالق وكونها تحريرية وليست سرقة او لصوصية , مع العلم بوجود قواعد لتوزيع غنائم الحرب ووجود نصوص تشجع على السرقة واللصوصية , مثل كلوا مما غنمتم حلالا زلالا الخ , العقل الحر السليم لايستطيع العيش سلميا مع التوحيد المضاد للتعددية , فالتعددية هي من طبيعة البشر , والتوحيد معاكس لطبيعة البشر ,العقل السليم لايقبل طوعا امتصاص طاقاته وامكانياته المادية والمعنوية في امور عبثية كالحج والعمرة وزيارة المراقد المقدسة ثم التقيد بالشعائر الدينية وتقبل خرافات كتب التفسير وغيرها , كل ذلك يأسر الانسان ويضعه في سجن الجمود والتأخرثم الطاعة والانصياع في اطار الايمان , الذي يقضي على العقل أو على الأقل يشله ويعطله .
للعديد مما ذكر علاقة صميمية مع الأخلاق السيئة , التي كانت حتى في سياقها التاريخي القديم سيئة , مصدر كل ماذكر هوالسماويات وتعاليمها وأحكامها , تعاليم تذخر بمفاهيم وقواعد وأحكام مثل حكم ملك اليمين , الذي يندى له الجبين خجلا , قطع يد السارق اجرام يفوق في فداحته على الجريمة التي من أجلها تمت شرعنة اقامة هذا الحد , اعدام المرأة اجتماعيا وحتى قتلها فيزيائيا ليس من الأخلاق الحميدة بشيئ حاضرا وماضيا , تشييئ المرأة لا أخلاقي بشكل مطلق في كل زمان ومكان , التكفير ثم التخوين منكرات لم يكن لهم وجود في الجاهلية , قائمة سوء الأخلاق , التي بشر الايمان السماوي بها وفرضها طويلة جدا, منها ادعاء تكريم المرأة , فالمرأة حقيقة وواقعيا ليست مكرمة , لابل محتقرة ومشيئة .
البشرية قادرة على تعريف السيئ اخلاقيا , وقادرة على تفريق السيئ عن الجيد , وقد فعلت البشرية ذلك قبل الأديان , وتفعل ذلك الآن وفي معظم المجتمعات , لم تأت الأديان بمعارف أخلاقية تجهلها البشرية ؟؟ ولا تستحق الأديان ذلك التقديس والتبجيل لتقديمها ارشادات ونصائح , يمثل تطبيقها سوء الأخلاق كالولاء والبراء القاتل للمواطنة , ثم مفهوم العين بالعين والسن بالسن والأنف بألأنف …الخ ,” وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص , فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما انزل الله فأولائك هم الظالمون “, ثم ماهو الأخلاقي في مفهوم ” لايقتل المؤمن بكافر “وكيف لاتوجب الشريعة قصاصا على قتل مؤمن لكافر , ان في ذلك منتهى سوء الأخلاق, لايعقل ان تتمثل الأخلاق بقتل الكافر دون عقاب !
لطالما ذكر عدم وجوب القصاص عندما يقتل المؤمن كافر , نريد التنويه الى أمر “الدية” , لقد حاولت الأصولية المصرية جمع الأموال الضرورية لدفع الدية بخصوص ذبح فتاة المنصورة , هناك فروق هائلة بين الدية في حال قتل المؤمن لكافر , وبين الدية في حال قتل الكافر لمؤمن , الدية تبلغ الآن في السعودية ١٢٠٠٠٠ ريال في حالة قتل الذكر , أما دية قتل المرأة فتبلغ نصف المبلغ أي ٦٠٠٠٠ ريال , هذه هي اخلاق شريعة سماوية .
لاحاجة لذكر المزيد من التفاصيل , حول الدين والأخلاق وعلاقة كل منهما بالآخر , الأخلاق هي من صنع الانسان ومعالم الأخلاق تتطور تبعا لتطور الانسان وتطور حاجاته وامكانياته , واقع كون اخلاقيات الايمان السماوي جامدة , بغض النظر عن مضامينها , لايؤهلها سوى للرفض .
