جورج بنا ,ممدوح بيطار :
تعرفنا من التاريخ على مصطلح الفتح , مثل فتح مكة وفتح بلاد الشام فتح مصر,فتح اسيانيا فتح القسطنطينية الخ !, اطلق على محاربين الفتح اسم مجاهدين فاتحين رضى الله عنهم وأرضاهم , مثل خالد بن الوليد, وابوعبيدة الجراح ,ثم عمرو بن العاص,وموسى بن نصير,وطارق بن زياد ومحمد الفاتح وغيرهم , وذلك بالرغم من أن ما ارتكبوه من اجرام ومنكرات يندى له الجبين خجلا!
الفتح كلمة ذات عدة دلالات , انها استعلائية اجرامية يظهر بها المنتصرون استعلاءهم على المهزوم, وغالبا المهزوم هم الشعوب التي ليس بيدها امكانيات الدفاع اي المجتمعات الغير حربية , كما كان حال دمشق عندما دخلها ابو عبيدة من باب الجابية صلحا ,وخالد ابن الوليد من باب شرقي حربا وذبح في تلك الليلة ٢٠٠٠٠ دمشقي , لم يكن في دمشق ذلك الوقت اي جندي روماني ,من دلالات الفتح خاصة التملك , فما فتح اعتبر غنيمة حرب حلالا زلالا للفاتح لكي ينعم بها , ,قرن الفتح بالدين اي اسلم تسلم ,ولكن كانت هناك احيانا بدائل عن الاسلمة ذكر منها الحرب او دفع الجزية, ,لكن الدلالة الأخطر في مفهوم الغتح هي أن الفاتحون يرون انفسهم فوق البشرية , انهم الأمة القائدة وماترتب على الفتح كان حصرا نبله , لأن الدين الذي فرضه كان نبيلا , لايخضع الفتح لأي رؤية انسانية أو تاريخية أو اجتماعية لقراءته ونقده لفهم اسبابه, وبالتالي فإن فعل الغزو والفتح خارج إطار الزمنية لانه مرتبط بالدين , والدين منسوب لله الذي يحتكره المؤمنون , لايخضع الفتح لا لزمان ولا لمكان, وبالتالي لا تنقضي تلك الافعال بزمنٍ , انما تَصلح لكل زمان ومكان عندما تسنح الفرصة والقوة به , انصار الفتح يرون انفسهم خارج اطار البشرية , بل انهم فوقها لانهم أصحاب رسالة سامية , وهذا الفكر كان مكمن السر وراء التأخر والتخلف الذي أصاب الشعوب الفاتحة, التي عزلت نفسها عن المجتمع الانساني بأوهام الاستعلاء على المجتمع الانساني , لكونهم خير أمة اخرجت للناس, وما بقي من البشر كفرة ! بالرغم من أنه كان لهم دينهم الذي لم يعرف ذلك التأزم والعداء لبقية البشرية , العزلة بالاستعلاء كانت المساعد الفكري لجماعات العنف المسلح والارهاب ,وذلك في محاولة استعادة مجد الدين بالقوة وربطها بأفعال السلف الصالح من السلفيين الاوائل حسب القوة المسلحة لهذه الجماعات التي كفرت الآخر, انه من الجيد أن لاتملك الاصولية جيشاً مسلحاً حديثاً او تكنولوجيا متطورة تمكنها من صنع السلاح النووي مثلا ونفهم جيدا عزم الغرب على منع ايران من حيازة سلاحا نوويا ,بالرغم من أنه تم استعمال السلاح الكيماوي بكثرة في اغلب مناطق سورية (جبهة النصرة وداعش والاسلامي التركستاني والعزة والسلطة الأسدية …الخ) .
مثل الفتح اعتداءا صارخا وهدرا لكرامة الانسان , عادة كان الفاتحون جماعات متوحشة متأخرة ودموية مثل جنكيز خان ثم المصطفى ابن عبد الله وخلفائه في الجزيرة العربية , والقبائل الجرمانية التي احتلت روما, اما المناطق المفتوحة فكانت عادة مشاعل حضارية بعمر وصل الى آلاف السنين ولم تكن مضارب بدو, قدمت حضارة بلاد الشام خاصة سوريا للبشرية المدن التي لم تعرفها البدوية لأنها ترحالية , ثم الثقافة والحرف والمحراث والعجلة والكثير غير ذلك ,فتح المتوحش محمد الثاني كونستانتنوبل ( القسطنطينية) التي حملت لعشرة قرون شعلة الحضارة الرومانية شرقا في الفلسفة والقانون والعلم , بعد الفتح تمت ابادة البيزنطيين الى آخر بشري منهم اضافة الى ٧٥٠٠٠٠ عثماني من اصل يوناني (البنط)
اعطيت العمليات العسكرية التي بدأت في القرن السابع ميلادي علي ايدي العرب البدو اسم فتوحات , وقادت الى ولادة امبراراطورية كبيرة بين جبال البرانس في الغرب حتى سيانغ في الشرق والى حدود الصين , معظم الفتوحات تمت خلال فترة قياسية من خمسين عام تقريبا , وترافقت مع منافع اقتصادية كالجزية والمسروقات الأخرى مثل نهب كنوز كسرى كما وعد المصطفى المجاهدين بأنه ستكون لهم تلك الكنوز ,كما كان الأمر مع سراقة بن مالك الذي تزين بأساور كسرى , تضمنت الكنوز العنصر البشري كالسبايا اللاتي تم شحنهن بعشرات الآلاف على يد موسى بن نصير الى الخليفة عبد الملك ,لقد كان على موسى بن نصير رؤية رأس ابنه المبتور لأن تزوج من سبية مسيحية , ثم زواج الحسين من ابنة كسرى وزواج المصطفى من السبية صفية بنت حي والعديد غيرهم , بالرغم من الاشكاليات بخصوص الفرق بين ابن الأمة وبين ابن الحرة الذي اعتبر هجينا , تغير الأمر لاحقا بفتوى لاضرورة لشرحها لكونها تلفيق بتلفيق .
البعض يدعي بأنهم فتحوا المناطق لدحر الكفار ونشر الدين الحنيف بينهم وتعليمهم اصول الدين , اعتبر هؤلاء ان نشر الرسالة يتضمن نشر الأخلاق والروحانيات , ولكن الحرص على الكسب من غنائم الحرب وأحكام تقسيم الغنائم ثم السبي والجزية والصلب والحرق وقطع يجد السارق ثم ذبح تارك الصلاة دمر تلك الروحانيات والأخلاقيات معا , كما ان التدمير استمر لاحقا على يد مفاهيم مثل تعدد الزوجات, ليس اربعة فقط انما اربعة زوجات مضافا لهن ملك اليمين الغير محدد العدد , ثم قضية العقل والدين الناقص عند المرأة , وقضية الارث ثم منع التبني لتغطية فضيجة زواج زينب من ابن عبد الله , التي كانت عمليا ابنته , ثم ممارسة النكاح مع المرأة الطفلة الحائضة عائشة والكثير الكثير غير ذلك , من الذي لايمكن وضعه في مصنف الأخلاق والروحانيات, حقيقة ترافق قيام معظم او حتى كل الأمبراطوريات مع تلفيق واختراع مبررات زائفة .
لم تكن سياسة كل الأمبراطوريات او الاستعماريين واحدة تجاه شعوب المستعمرات , بالمقارنة يمكن القول ان الاستعمار العثماني والاستعمار العربي البدوي كانوا بالنسبة للشعوب التي ابتلت بهم من أسوء المستعمرين , والبدوي الحجازي كان أسوء حتى من العثماني للعديد من الأسباب منها اعتبار المستعمرات غنائم حرب وبالتالي تملك المستعمرات , لقد كان في سوريا انتداب فرنسي لمدة ٢٥ عاما تقريبا , مقارنة هذا الانتداب مع ما يسمى الحكم الوطني قاد العديد من السوريين الى الحنين للاستعمار الفرنسي , حياة السوريين كانت في كل جوانبها من بناء وتعليم واقتصاد وحرية وسياسة الخ افضل من حياتهم تحت ما يسمى حكم وطني , ولا يمكن مقارنة ربع القرن الفرنسي مع القرون الأربعة العثمانية ومع القرون العشرة العربية البدوية, بالرغم من كل ذلك يبقى كل استعمار مرفوض مبئيا, يستثنى من ذلك بعض الحالات مثل انتداب محدد بفترة زمنية وبشروط معينة وباهداف يتفق عليها , مثل الامتناع عن تغيير خواص الانسان مثل لغته ودينه وتوجهاته السياسية .
يجب وضع الفتوحات العربية البدوية العربية في خانة خاصة بها , لأنه لاشبيه لها في التاريخ , لم يحدث ان فرض مستعمر لغته على مستعمراته, ولم يحدث ان اعلن مستعمر عن ملكيته لأرض مستعمرا ته, ولم يحدث ان فرض مستعمر دينه على شعوب مستعمراته , ولم يحدث انه قيل اسلم تسلم , ولم بحدث ان المستعمر احتكر ادارة البلاد لوحده , ففي حالة الانتداب الفرنسي كان هناك رئيس جمهورية سوري ووزارة سورية , وحتى في روما كان هناك قياصرة من اصل سوري وولدوا في سوريا, لم يكن القياصرة رومان فقط ,لقد كان هناك الليبيي وكان اليمني وغيرهم ولم تكن هناك طورقة حيث يسير السوريون مع الدواب على جهة من الطريق , وعلى الجهة الأخير يسير المؤمنون , ثم عليهم دفع الجزية عن يد وهم صاغرون ,لم تلك تكن هناك عهدة عمرية , لقد كان هناك بناء كما في روما كذلك في دمشق,ولم يحدد الرومان لباسا خاصا لشعوب المستعمرات مثل الأسود والأزرق كعلامات لتمييز المؤمن عن الكافر ,هتلر مارس ذلك مع اليهود , بالمختصر تميز الاستعمار الروماني والانتداب الغرنسى بصيغ الشراكة اكثر من صيغ الاستعمار الناهب المتوحش السارق المستغل, صيغة الشراكة تفوقت على صيغة الاستعمار, المصنف الخاص بالمستعمر الفاتح البدوي االحجازي ضروري , لأنه بالواقع لاشبيه له في دناءته وحقارته وتوحشه .
ليس اختلاف المسمى هو الفرق انما اختلاف بين نقد الذات الجماعية ومراجعة للماضي لنتعلم منه وبين عبودية التاريخ المقدس…
الغت عصبة الأمم مفهوم الفتح ومنعت استخدامه وممارسته عام ١٩٠٥ , اليوم مصر اول الدول العربية التي الغت مصطلح الفتح من مناهجها التعليمية ,وقبل سنتين اجتمع اتحاد المعلمين العرب وأوصى بإلغاء هذا المصطلح , لأنه يحض على كره الآخر والاستعلاء عليه,ووقته سرب الى العلن ان 13 دولة عربية تسعى الى الغاء هذا المصطلح من مناهجها التربوية , وباتأكيد سوف لم تكون سوريا المحكومة الآن من قبل سلفية جهادية اول تلك الدول , ولربما ستكون المعارضة الوحيدة لمشروع من هذا النوع , بالنهاية ستنصاع كل الدول لقرارات عصبة الأمم أي لقرارات الأمم المتحدة