علي محمود :

دعونا نضع الأمور في نصابها: الإسلام في جوهره علاقة فردية بين الإنسان وربه. لا يوجد في القرآن ما ينص على شكل نظام حكم محدد. بل نجد أن الآيات التي تتحدث عن الشورى (مثل الآية 38 من سورة الشورى: “وأمرهم شورى بينهم”) لم تحدد آلية معينة، بل تركت الباب مفتوحًا للاجتهاد البشري بحسب الزمان والمكان. ومع ذلك، نجد تيارات الإسلام السياسي تصرّ على قوالب سلطوية تُلبسها عباءة “الحكم الإسلامي”، بينما هي في الحقيقة محاولات بائسة لاختطاف الدين.
من أين جاءت هذه الفكرة إذًا؟ من فكر جماعات مثل الإخوان المسلمين، التي اختزلت الإسلام في شعارات سياسية، ونصّبت نفسها وصية على الناس، وكأن الله فوّضها لتُقيم “الدولة الإسلامية”. حسن البنا وسيد قطب وغيرهم روّجوا لفكرة “الحاكمية”، وهي مفهوم خطير يتعارض مع أبسط مبادئ الدولة المدنية الحديثة، التي تقوم على سيادة الشعب، لا على ولاية “الفقهاء” أو “أمراء الجماعة” [راجع: كتاب “معالم في الطريق” لسيد قطب].
تجارب “الدولة الإسلامية” الحديثة أثبتت فشل هذا النموذج. انظر إلى ما حدث في إيران، حيث تم دمج الدين بالسلطة فتحولت الدولة إلى كابوس قمعي باسم “ولاية الفقيه”. أو إلى “دولة الخلافة” المزعومة التي أقامها تنظيم داعش، والتي كانت أبشع نموذج لتديين العنف والقتل باسم الإسلام. هذه ليست أمثلة شاذة، بل هي النتيجة الطبيعية لعقلية ترى الدين دولة والسيف شريعة.
الخلط بين الإسلام والدولة لا يؤدي إلا إلى تسييس الدين وتديين السياسة، ويُفقد الطرفين معناه الحقيقي. الدين يُدمر حين يتحول إلى أداة قمع، والسياسة تُشلّ حين يُفرض عليها نظام ديني مغلق. لا بد من التأكيد على مبدأ المواطنة، والمساواة، وحرية الاعتقاد. لا يجوز أن يكون للمسلم “امتياز” على غيره في الدولة، كما لا يجوز أن يُفرض الإسلام على أحد، حتى المسلمين أنفسهم (“لا إكراه في الدين” – البقرة: 256).
الدين مسألة شخصية، والدولة مؤسسة مدنية. من يصرّ على دمج الاثنين لا يفعل ذلك حبًا في الدين، بل رغبة في السلطة. لهذا نقول بوضوح وبلا مواربة: الإسلام دين، وليس دولة. ولن نسمح بتحويله إلى أداة تسلط واستبداد.