العلمانية حريصة على الحرية الدينية , والحرية الدينية ليس طريقا وحيد الاتجاه , للمواطن الحق في الانتماء الى الدين الذي يريده وله الحق بتغيير انتمائه الديني متى يريد وحتى انه يحق له ان يعتنق اللادين اي الالحاد,ممارسة الحرية الدينية في العلمانية لاتؤثر على الوضع القانوني للانسان المواطن المساوي لغيره في الحقوق والواجبات , كل ذلك ينسجم مع مبادئ حقوق الانسان العالمية ,كل ذلك مختلف ومتمايز عن حقوق الانسان في كتاب الله العزيز .
لم تقم الدولة السورية منذ ولادتها بعد الحرب العالمية الأولى بما يستحق الذكر من تطويرات باتجاه العلمانية , التي تعتبرها الأغلبية الساحقة من دول العالم “بديهية” سياسية , لابل عملت بعض الأنظمة الحاكمة في سوريا جاهدة من أجل تعميق القوانين التي تكرس اتجاهات معادية للعلمانية , واذا قامت العلمانية على مبدأ الحرية الدينية , اي حق المواطن اعتناق الانتماء الديني الذي يريده ويحق له تغيير انتمائه الديني متى يشاء وكيفما يشاء , اي الانتماء الى دين آخر أو الخروج من دائرة الايمان والدين كليا اي الالحاد , فان الحكومات السورية في القرن الأخير لن تفعل سوى العكس من ذلك .
اذا قامت العلمانية على المساواة , نرى أن الحكومات السورية لم تكرس المساواة في القرن الماضي , باستثناء بعض المراحل القصيرة مثل خمسينات القرن الماضي , وحتى في ذلك الوقت لم تتحقق المساواة بالشكل الأمثل , الا أن وضع المساواة كان مقبولا , وتجلى ذلك في انتخابات ١٩٥٤ التي كانت فعلا شفافة وحرة , ونتيجة لتلك الحرية والشفافية لم يتم انتخاب سوى اربعة او خمسة اخونجية كاعضاء في المجلس النيابي من أصل اكثر من ١٢٠ نائبا .
ثمثل المساواة والحرية ضمن القانون وفصل الدين عن الدولة اهم اسس العلمانية , لا تحتمل هذه المبادئ صفة التطرف انما صفة العمق , فكلما ارتفع منسوب الحرية الفردية التي تراعي حرية الآخر تحسن الوضع , وكلما تعمق وتجذر مبدأ فصل الدين عن الدولة شعر الانسان بكون مصيره من صنعه وليس من صنع رجال الدين او من صنع السماء , لذا يرتفع بذلك مستوى اعتباره لنفسه وثقته بنفسه ويرتفع شعورة بالمسؤولية وابتعاده عن الاتكالية .
لم يتم احترام مفاهيم العلمانية, بالرغم من اعلان السلطة الأسدية كون سوريا قلعة العلمانية في هذه المنطقة , وبالرغم من كونها قلعة العلمانية بقي أمر الانتماء الديني فطري , اي أن الطفل بالفطرة محمدي , وهل كان للأطفال قبل ١٤٤٠ سنة فطرة اخرى؟, والفطرة كما يفهمها الاخونج أمر ولادي , هل اختلف اطفال القرن العشرين ولاديا عن اطفال القرون التي سبقت القرن العشرين , بقي موضوع تغيير الدين ممكنا باتجاه واحد , كان الاتجاه المحمدي , يمكن للبوذي ان يغير دينه باتجاه المحمدية وليس بالاتجاه المعاكس, لم تنجز قلعة العلمانية السورية مشروع الزواج المدني , اي التمكن من الزواج المختلط بالرغم من مساهمات السوري القومي العديدة الملحة والايجابية في هذا الخصوص , أمر التربية الدينية بقي كما اراد الاخونج , لابل ساهمت الأسدية بشكل كبير في بناء المزيد من المساجد واقامة المزيد من مدارس تحفيظ القرآن , حتى قانون الأحوال الشخصية بقي ديني ومستورد من الشريعة , هناك في قانون الأحوال الشخصية حوالي ٣٠٠ مادة مجحفة بحق المرأة بشكل فاضح وبشكل يعتبر المرأة وكأنها جارية أو سبية !.
قلعة العلمانية لم تنتبه الى مسألة تحديد الانجاب ليتناسب مع النمو الاقتصادي , لذلك تربعت سوريا على عرش جياع العالم واحتلت المركز الأول عالميا في تدني الدخل الشهري , بشكل عام بقيت سوريا مستعمرة دينية محكومة من قبل استعمار داخلي قوامه العروبة والدين , الى أن وصل الأمر قبل اسابيع الى الدولة الدينية الصرفة , حيث اختفى الفرق بين الحكم السوري وبين حكم طالبان في افغانستان , ربطات العنق ,التي التزم بها بعض الاخونج الادلبي لاتمثل فرقا اساسيا عن جلابية ملا عمر الأفغاني .
الشيئ الوحيد الذي حققة البعث الأسدي او بالأصح الأسدية , كان حذف الدين من الهوية الشخصية , هنا لم يكن الهدف علمانيا , انما شخصيا , بقي مشروع البعث النظري التدجيلي اي بعث امجاد الأمة العربية من جديد القاسم الأعظم المشترك بين الاسدية والجولانية وبقي الاجرام تلك الممارسة التي اشترك بها الطرفان بقدر متساوي تقريبا , بالنهاية ابتلعت الجولانية الأسدية بلحمها وعظمها , لقد تعلموا التذبيح من بعضهم البعض , وأصبحوا في هذا الكار اساتذة الغابات المتوحشة!