ما بيطار , ممدوج بيطار :

يكمن الفارق الأساسي بمفهوم الجهاد الذي يروج لنبل وقداسة هذه الفتوحات وازالة العقبات , ثم التكليف الالهي لنشر الدين الحنيف في ظل الاعتراف بأنه لا اكراه في الدين … لكم دينكم ولي دين , هنا يصطدم استخدام السيف في عملية التبشير ونشر الدين مع الاعتراف بأنه لا اكراه في الدين ؟,اضافة الى ذلك هل يستقيم التبشير بالدين الجديد مع ممارسة السبي والجزية وتصدير المصريات ونساء الأمازيغ وغيرهم من البلدان المفتوحة للعمل كجاريات في قصور الخلافة ؟؟
لم يتضمن التكليف الالهي ممارسة لكل هذه التجاوزات , لذا يمكن ويجب اعتبار الفتوحات عملية سلب ونهب وامتداد لما مارسته القبائل العربية في الجزيرة العربية قبل ظهور الدعوة ,اذ اعتاشت هذه القبائل من الغزو ومن غنائم الحرب , أتى الدين ووحد هذه القبائل سياسيا وعسكريا ووحد ايضا نفسية ” الغزو ” عند هذه القبائل , ثم زود هذه القبائل المدمنة على الغزو بمبررات اضافية كمبرر قدسية وضرورة نشر الدين اضافة الى التشجيع على الافراط في الجهاد حتى الموت , فالموت هو مقدمة لحياة أخرى , هو انتقال من الحياة الفانية الى الحياة الأبدية ,حيث الحوريات بأعداد وأشكال تفوق كل تصور , وحتى عذرية الحوريات كانت من الثواب المضمون لكل مجاهد في سبيل الدين أي في سبيل الله.
ما يميز الغزوة عن الاحتلال النفعي الاستعماري هو عامل الفرض الديني لاستكمال تكوينالمؤمن ( يسمى ذلك هذه الأيام بالمسلم الأعلى), الفرض أخبث من الحاجة المادية الاستعمارية الخسيسة , فانكلترا كانت بحاجة لقناة السويس للوصول الى المستعمرة الهندية ,لذلك فان الحاجة النفعية عند الاستعمار التقليدي محدودة وليست شاملة , أما الفرض الديني فلا يهتم الا بالانسان الذي عليه أن يتأسلم , والانسان موجود في كل مكان , لذلك فانه من واجب المؤمن وضع كل مكان يسكنه انسان تحت السيطرة الخلافية , فكل انسان بحاجة لهذا الدين لضمان الحياة الدنيا خاصة الخلاص في الدنيا الأخرى.
حاجةالمؤمن الى الغزوة والاحتلال هي حاجة مستمرة ,ولا يقف في طريقها الا عامل عدم المقدرة على تنفيذها ,لذلك توقفت الفتوحات ولم يبق من ثقافتها الا التباكي عليها , العالم بعكس ذلك فرح جدا لانعدام المقدرة على القيام بالفتوحات , تصوروا امتلاك ٤٥٠ مليون عربي مؤمن لامكانيات ٤٥٠ مليون أمريكي عسكريا واقتصاديا وسياسيا , فكيف سيصبح حال العالم عندئذ ؟؟
بالرغم من ذلك, من الواجب النظر الى أمر الفتوحات كواقع تاريخي يتأرجح بين الوحي من جهة والواقع من جهة أخرى , وعلى البشر واجتهادهم اللجوء الى الوحي تارة أو الى الواقع تارة أخرى أو الى الاثنين معا حسب الحاجة وحسب الظروف , فاللجوء الى الوحي ينفي الحاجة لمبررات اضافية , فكلام الله هو بحد ذاته المبرر لنفسه ولاحاجة لكلام الله أن يكون منطقيا حسب معاييرنا الدنيوية ,لأن كلام الله أصلا هو المعيار لكل شيئ.
علاقة الواقع مع الوحي هي علاقة تكافل وتضامن ,الواقع يتضامن مع الوحي , والوحي يدعم الواقع حسب الضرورة والظروف , فواقع التهديد الافتراضي البيزنطي والفارسي للخلافة كان له تأثيرا ليس بالقليل على غزوة بلاد الشام , لقد اقترن هذا الواقع التبريري مع الوحي الآمر بنشر الدين في المنطقة السورية,كما أن الواقع عمل يدا بيد مع الوحي في تحديد ضرورة التأسلم وخلق الظروف الموجبة للتأسلم ,لذلك كان على الكتابي أن يتأسلم تحاشيا للجزية والمضايقات الأخرى المتثلة بكونه مواطن من الدرجة الثانية , ولكي يستطيع السير على الطريق مع المؤمنين دون أن “يطورق” أو “يشمل ” أي أن يسير شمال المؤمنين الفاتحين !!
أتى الدين بمنظومة الخلافة التي هي دين ودولة , وبذلك لم تعد هناك ثنائية التحكم ,انما احتكارية التحكم وديكتاتوريته من قبل شخص الخليفة , وبذلك تحول الفتح ظاهريا الى “واجب”, بدلا من تمظهره عمليا “كحاجة “استعمارية , الفتح كان قناعا لنشاط استعماري أشد خبثا من النشاط الاستعماري التقليدي الذي يخضع الى أحكام الحاجة أكثر من خضوعه الى أحكام الواجب , الفتح كان بمثابة احتلالا تملكيا واستوطانيا دائما , كاحتلال الصهاينة لفلسطين , في الفتح كان من الضروري احتلال العقول …أسلمة …لغة ..الخ الى جانب المعاقل , لقد اكتفى الاحتلال الفارسي أو الروماني باحتلال المعاقل , والروماني ساوى بين المواطنين الرومان وغيرهم من شعوب المستعمرات , بحيث كان من الممكن أن يصبح اشخاص من حمص واليمن وليبيا قياصرة , الاحتلال في كل الحالات بغيض, الا أن الفتح العربي – القريشي كان من من أشد أنواع الاستعمار بغضا ووحشية!.من أجل التصالح مع التاريخ ينصح العرب بالاعتراف بجريمة الفتح والاحتلال والغزو , وتقديم الاعتذار للشعوب التي تضررت من الفتح والغزو ! ان ذلك من مصلحة العرب بالدرجة الأولى !!