سمير صادق, عثمان لي :
التوحيد مسلمة عقيدية شبه فطرية مستولية على العقل والقيم , يتنكر مفهوم التوحيد(الاجماع) للرأي اللآخر وللاختلاف ,التوحيد هو أساس نشوء الديكتاتوريات , التي تعتمد في بقائها على أحادية النمط والوجهة والفكر .
يرفض الفكر التوحيدي كل فكر رديف أومناقض , وبذلك يؤمن التربة الخصبة لانتاج الديكتاتوريات , التوحيد غربة عن الواقع المختلف واستهلاكا للذات, كما أنه ممثل للانسداد وتآكل المقدرة على التصور , الثقافة العربية قتيلة التوحيد, الذي بشر به الوحي ,.كل الفكر فكرة , وكل الاحتمالات احتمال , وكل الحلول حل واحد , لم يكتفي الوحي بالتوحيد ومنع روافده , بل لفلف التوحيد بعباءة المقدس , بحيث أصبح العقل محاصرا عن طريق سد الطريق أمام الروافد من جهة , ومن جهة أخرى بمنع تطوير وتغيير المقدس الواحد الأحد , وهل من العجب أن يجف العقل ويتيبس في هذه الحالة ؟ , وهل من العجب أن يلجأ عاطل العقل في هذه الحالة الى الارتكاس الغريزي الذي لايسيطر العقل عليه والى المنهجية الارتجالية التي لاتحتاج للعقل .
هل من العجب أيضا أن تجد الديكتاتورية تربة صالحة في هذه البلدان , حيث أن الديكتاتورية تلبي مطالب التوحيد بأكملها , لالزوم هنا الا لاستبدال الله باله آخر, ثم التنازل المستساغ المريح عن الحرية , وما هي ضرورة الحرية الفكرية في هذه الحالة؟, خاصة عندما يتقزم الفكر الى فكرة واحدة لابديل عنها, اذ أن ماعداها هو زندقة وهرطقة كفر وخيانة يجب لوي رقبتها بسوط الديكتاتور وسيف ابن عبد الله ومحرقة جهنم .
الحرية ضرورة لايمكن التنازل عنها , فالواقع يتمثل بالاختلاف , اي على المستوى الفكري بتعدد الأفكار واختلافها , لاسبيل للتعددية الطبيعية بدون الحرية , لذلك لاحياة بدون حرية , لايعني بقاء البعض على قيد الحياة انهم أحياء, فالبقاء العضوي ليس انساني , انما حيواني , الانسان هو حيوان مؤنسن , وبدون الأنسنة يموت كانسان اجتماعي ويستمر في الوجود كحيوان , تختلف الحرية الاجتماعية عن الحرية الفردية , اذ لا يندرج الخضوع للقوانين في خانة الاستبداد , لأن الأفراد تنازلوا طوعاً عن جزءٍ من حرياتهم الفردية لمصلحة الحريات العامة الاجتماعية , تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية غيرك , هذا ماقالته روزا لوكسنبورغ استنادا لكانت .
لم يقتصر التوحيد على انتاج الديكتاتوريات , لقد ساهم التوحيد (الاجماع) اضافة الى ذلك في تغييب العقل والعقلانية , بحيث لم تتمكن هذه البلاد من حل مشاكلها لادمويا , بالرغم من أن معظم المشاكل السياسية تحل بدون دماء , لم تقتدر العقلانية المعطلة والغائبة على التنبؤ بأن الحل في سوريا سيكون سياسي بعد سنوات من حرب التدمير والتقتيل, يجب سؤال العقل العاطل والمعطل عن المسؤولية بخصوص التدمير والقتل , هل السلطة مسؤولة حصرا أو التيارات السلفية مسؤولة حصرا أو أن الجميع ساهموا في ممارسة عمل التخريب والقتل العبثي !.
حقيقة يجب تحميل الجميع مسؤولية تخريب البلاد وقتل العباد دون استثناء , وبسبب التعنت والتسلح بوحدانية الموقف والرؤية , لم يتمكن الجميع من ممارسة التفكير العقلاني المنطقي الذي يعترف بالبدائل والحلول الوسط ثم الأخذ والرد , فموقف السلطة كان واحد جامد لايتغير وخاضع لثقافة اما قاتل أو مقتول , موقف الجهة الأخرى أيضا واحد وجامد لايتغير , كلهم اختنقوا في جلابية البدوية العقيمة , فكيف سيكون الحل ؟
الحل سيكون عقلاني سياسي , الا أنه ليس من انتاج العقلانية السورية الكسيحة المعاقة , وانما من انتاج عقليات الغير الغير معطلة , هذه العقليات ستفرض على السوريين حلا كان بامكان السوريين الوصول اليه لو توفرت لهم عقلانية لاتوحيدية , التوحيدية تلغي البدائل , وبالتالي ينسد الطريق أمام الحلول , لم يكن السوريين على قدر المسؤولية التاريخية التي انيطت بهم , ولم يتمكنوا من الاستفادة من عمق حضارتهم , لقد أثبتوا بأنهم مجتمع معاق بالجلابية والعمامة, ليست العقلانية التحليلية الناقدة والغير متحجرة من طبائعهم الحالية , لقد دفع السوريون ثمن تعنتهم وفكرهم التوحيدي ومواقفهم المتحجرة والرافضة لكل بديل ثمنا لايعلوه ثمنا آخر , لم يخسروا جزءا من وطنهم , وانما خسروا كامل الوطن !
لم يدرك السوريون اشكاليات الثقافة العربية وانسدادها وتقلص مقدرتها الابداعية واستهلاكها لذاتها وغربتها عن المنطق, ولم يتم اخضاع الشموليات والأصوليات والوحدانيات لعملية التفكيك و التحليل والمراجعة , لكي يتمكنوا من الانعتاق من العبودية ومن السلاسل التي تقيدهم, والحجاب الذي يعميهم, والنمطية الواحدة التي حولتهم الى نوع من المعلبات.