سمير صادق, ميرا البيطار :
كيف صعد التيار الأصولي , وكيف انحسر التيار القومي؟ , مع العلم أنه لافكر في عقل التيارالأصولي , ولا فكر في عقل التيار القومي , القصد من عبارة ” انعدام الفكر” هو انعدام الجانب “الايديولوجي” عند الاثنين ,فالاستخدام المألوف والدارج لكلمة “الفكر” الديني , ولكلمة “الفكر” القومي , هو استخدام مجازي , فالأول يعتمد على الأساطير الغيبية التي نقلها جبريل , والثاني على الأساطير الساكنة الغير متبدلة أو القابلة للتطوير ,كالخاصة الديموغرافية الثابتة الساكنة والتي ترتكز على المعالم التراثية الماضية مثل وحدة اللغة والتاريخ وتشابه العادات الى آخر المعالم القومية الزائفة , فلا الغيبي الايماني يحتاج الى أي تفكيرعقلاني , لأن الله فكر وأرسل أفكاره مع جبريل الى ابن عبد الله , والساكن الغير متحرك ومتغير , لايحتاج الى أي تفكيرأو فكر , فماذا أفكر بخصوص اللغة المشتركة والتاريخ المشترك وغير ذلك من الخصائص الجاهزة الثابتة , في كلا الحالتين يتجاوز الانسان بكلمة “فكر”ديني أو قومي الواقع ,ويستدل بهذه العبارة على ما لاتدل عليه .
كل ذلك يمكن توضيحه بشكل أكثر بساطة , هناك مايسميه رجال الدين “ثوابت” دينية , وما يسميه رجال القومية “ثوابت” قومية ,والثوابت تلغي الحاجة الى التفكير , لذا ليس من الخطأ القول على انه لافكر” ايديولوجي ” في الثوابت ,فالايديولوجيا هي علم الأفكار أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ افكار يحملها البشر , أفكار يبني الانسان منها وعليها نظريات وفرضيات تتلائم مع حياته وتنظمها , الثوابت الدينية والقوميةالعربية لاتستقيم مع الفكر والعلم الايديولوجي , الذي يدرس مدى صحة أو خطأ فكرة ما , فالثوابت صحيحة دائما بنظر القومجية والأصولية الدينية ,لذا لايمكن تسميتها فكر ايديولوجي .
ليس من المستغرب صعود التيار الديني على أنقاض التيار القومي, الذي لم ينجح بدوره الا بالصعود على انقاض التيارالديني , الذي فشل في تسويق عملية التحرر من الاستعمار, في حين نجح التيار القومي بذلك , ومن المتظر ان يصعد تيارقديم من جديد , لربما القومي مجددا على أنقاض التيار الديني الذي تصاعد قبل بعض السنين , وفشل في التعامل مع الاشكاليات المحلية المزمنة ,تصاعده كان نتيجة لفشل المنهج القومي,نجاح مؤقت ونسبي لتيار على انقاض فشل الآخر ! ,وهكذا يحدث التناوب في الحلقة المعيبة! .
مراجعة الحالة الثقافية العربية السياسية موضوعيا يؤكد حالة المناوبة بين التيارات الفاشلة ,ويضيف عليها تيارا ثالثا , هو تيار الشراكة والمزيج القومي -الديني ,كلهم فشلوا في تقديم مراجعة نقدية لأوضاع الشعوب , كلهم فشلوا في ابتار فكر جديد منتج , ولو ينجحوا الا في أمر واحد , الا وهو تفشيل التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في هذه المنطقة ,وكل بدوره ,والأدوار تدوم عادة عقودا من الزمن .
آخر من فشل كان النهج القومجي في العديد من الدول ,ولنذكر منها سوريا والعراق وغيرهم , واليكم بعض الأمثلة, لقد اشترك صدام حسين مع حافظ الأسد في تصفية الأجواء السورية والعراقية من كل ثقافة سياسية ,تملكوا الأوطان وما عليها من أهل وماشية , وشرعوا بتوريثها الى الأبناء حلالا زلالا لأولادهم وأولاد أولادهم , ضربوا القوى الديموقراطية ومحقوها عن بكرة أبيها , والآن يتباكى المواطنين بسبب عدم وجود خلف سياسي فهيم وذو خبرة ,يتباكون لعدم وجود معارضة تستطيع انقاذ البلاد , واين يمكن لهذه المعارضة أن تنبت وتنمو في دول جرت صحرنتها سياسيا ؟ , ومن أين تأتي المعارضة ذات الخبرة , بعد أن قضى معظم المعارضون حياتهم في السجون , منهم من قضى نحبه , ومنهم من تشوه جسديا ونفسيا , ومنهم من ينتظر لقاء ربه .
بهذه المناسبة نود التنويه الى التجربة الايرانية والى الشاه , الذي سبق القائد الخالد والقائد الضرورة العراقي في تكنيس القوى الديموقراطية , وفي تنظيف البلاد من كل فكر سياسي ديموقراطي ,اذ لم يبق في الميدان الايراني الا الملا زيدان , الذي صعدعلى الكرسي , ولايزال جالسا عليها , كلهم قتلوا وسحلوا من خالفهم بالرأي , ونصبوا لذاتهم التماثيل على الهضاب والجبال والتلال , ماعدا عبد الناصر , كلهم سطوا على مقدرات البلاد المادية , وسطروا المليارات على الحسابات في البنوك الأجنبية , أيضا ماعدا عبد الناصر,لربما لأن موته لم يكن بالحسبان,كلهم طبلوا وزمروا للوحدة , وما قاموا به لم يكن الا الشرذمة والانفصال, انجزت العسكرية السورية الوحدة مع مصر , وحزب الوحدة والحرية والاشتراكية فصم الوحدة مع مصر,ثم انقلب عام 1970 على الانفصاليين ليمارس سياسة أكثر انفصالية , ثم جاء دور الانفصال العراقي السوري, واندلعت الحروب بين رواد الوحدة والحرية والاشتراكية , وأرسل كل طرف للآخر الارهاب والمتفجرات , وحتى المصاب بالعمى , يستطيع التأكد من أنه لاحرية ولا اشتراكية ولا وحدة في دول البعث ! .
لم تقدم الناصرية فكرا , لأنه لافكر عندها , كالبعثية التي لم تقدم فكرا , لأنه لافكر لديها, كلهم مارسوا الطنطنة بالشعارات القومية والخطب التهريجية التي تدوم ساعات , حاربوا التيارات الدينية ظاهريا , ليس بسبب بعدهم عن النهج الديني , وانما بسبب خوفهم من لعق التيار الديني لمكاسب السلطة , ففي العام الذي أعدم به عبد الناصر سيد قطب , لبى في الدستور المصري كل رغبات الجماعة الاخوانية , ولم يفعل الأسد غير ذلك ,اذ تزامن الهجوم على بعض مكونات التيار الديني (الاخوان), مع تلبية رغبات الاخونج مثل اقامة مدارس تحفيظ القرآن,فضائية دينية,قانون أحوال شخصية مقصوص ومفصل على قياس النهج الديني الاخونجي , كل ذلك في ظل دستور يعاقب العضوية في جماعة الاخوان (المادة ٤٩) بالشنق حتى الموت .
لم يشعر المواطن في أي لحظة بوجود تباين بين السلطة التي تسمي نفسها علمانية مدنية وبين التيار الأصولي الاخونجي في الشؤون الداخلية والخارجية , خارجيا لاوجود لأقبح من المثال السوري , لم يبق للسلطة ” العلمانية” من صديق الا الملا الايراني -العراقي والسيد اللبناني من حزب الله ,كلهم كانوا أصدقاءالسوري ” العلماني” , الذي لايفترق عنهم الا بربطة العنق ,ويتقاطع معهم في الطائفية والأحلاف المذهبية بين سوريا والعراق وايران ,كان على حماس السنية أن ترحل , ورحلت قبل فترة ثم عادت في ظروف معينة أخرى , مبدئيا لاوجود للسني في العرين الشيعي والعكس صحيح .
من” أذكى وانكى” صور التوافق القومجي – الديني , الذي يتناوب على تخريب البلاد, ويتحالف على تخريب البلاد , كانت الصورة التي برررت بها السلطات “العلمانية ” تواطئها مع المكون الديني ,فالسلطة تدعم البرامج التلفيزيونية الدينية والبرامج الاذاعية الدينية وكامل التسهيلات الدعائية الأخرى لرجال الدين , مدعية بانها تريد بذلك شرح الدين الحنيف الصحيح, تفاديا للتضليل بواسطة الدين الغير صحيح , وهل توجد محمدية صحيحة ومحمدية غير صحيحة ؟ ,فالصحيح وغير الصحيح نسبي ومزمن, منذ 14 قرنا تعتبر السنة الشيعة غير صحيحة , والشيعة تعتبر السنة غير صحيحة , وما تقوم به السلطة بهذا الخصوص , ليس سوى تلفيق !السلطة القمعية القومجية تتناغم مبدئيا مع التيارات الدينية , التي تؤمن بالقطعية والقدسية , ولما كان للتيار الديني الهه , وجب على التيار القومجي خلق اله له ,وابتكار الآلهة كان أمرا سهلا ,اذ نجده بأوضح صوره في شعار “الله ..سورية ..بشار ..وبس ”لقد تناظر موقع بشار مع موقع الله , والتخاصم الظاهري مع بعض التيارات الدينية , لم يتمكن من التمويه على البنية الدينية الالهية للنهج القومجي , فالعداء للعرعور الذي اراد سرقة السلطة ,قابله التوافق مع البوطي والحسون , الذي قبل بتقاسم السلطة ,يدا بيد من أجل تخريب الوطن , وفي حالة أخرى تناوب في التخريب ,الآن القومجي وغدا الأصولي الديني , وهكذا تدور الدائرة ويضيق الخناق على الوطن , الذي اقترب من الموت النهائي .
معظم فئات الشعب , خاصة الفئات الرمادية الصامتة , ملت من هذه المناوبات ونوبات التخريب , الا انه لاحول ولا قوة لها ,لاتملك الفئات الرمادية البندقية الوهابية ولا تملك بندقية الملالي ولم تملك المال الوهابي , ولا مال الملالي , ولا يعرف الا من يجلس في السماء , كيف ستتطور أمور الأرض ,الاستنزاف على قدم وساق والتخريب أيضا , اضافة الى كل ذلك كان الاقتطاع الجغرافي من أجل أمان حبيب الله اردوغان ,قد يكون من حسن حظ الأكثرية الصامتة الصابرة أن تصاب الديوك المتناوبة على النهب والتخريب بالاعياء , قبل أن ينزف الوطن كامل دمه, للأسف تعتقد كل الديوك انها تستطيع التهام كامل الكعكة لوحدها , وهذا ما يجعل البلاد بعيدة عن أي حل لمشاكلها , وبالنهاية يسأل المواطن الى متى ستستمر الحروب المتجددة بسحنة أخرى وموقع آخر ؟ الآن لدينا سحنة الشمال بين حلب وادلب ,ثم الحرب التي تشنها اسرائيل على كل الجغرافيا السورية, ثم تمرد السويداء ,اشعال الحروب وتدمير البلاد أمر سهل جدا, بعكس انقاذ الوطن , الذي اقترب من الاستحالة !