جورج بنا , ما بيطار :
هل كان قدوم العثمانيين الى هذه البلاد قبل حوالي 500 عام غزواً واحتلالا أو غزوا واحتلالا وفتحا ؟؟؟أو غير ذلك ! وهل الحقبة العثمانية من حياة شعوب هذه المنطقة , التي استمرت حوالي أربعة فرون استمرارا للخلافة الحجازية ؟ , وبذلك مثلت نوعا من الوحدة تحت راية الخلافة أو السلطنة ؟,هل كان العثمانيون سبباً في تخلف شعوب مستعمراتهم في بلد الشام أو خارج بلاد الشام , أو انهم اسهموا في تقدم هذه الشعوب ؟, هذه الأسئلة وغيرها حول الحقبة العثمانية بالدرجة الأولى ليست بالجديدة , لكن الجدل حولها ما إن خمد , حتى تجدد بأوجه ومشاكل جديدة ,عملية نبع السلام الاردوغانية ساهمت في تجديد النقاش , الذي أراده اردوغان , ولولا ارادته لما أطلق على الجيش التركي المحتل اسم جيش محمد , ولما كانت هنك ضرورة لتغليف العملية العسكرية دعائيا وصوتيا بسورة الفتح.
لايمثل التعرض للخلافة العثمانية أو حتى العربية نبشا عدميا في الماضي , انما تعرضا ضروريا لتطورات ومشاكل آنية وحديثة ومؤثرة بشكل عميق على حاضر ومستقبل البلاد خاصة سوريا, هناك الآن من الأزمات والاشكاليات مايكفي , ولا يجوز القول بصيغة النفي على أن صراعات الحاضر ومشاكله لاتكفي , لذلك يجب اختراع أزمات جديدة.
الوضع مع العثمانيين الجدد من الأتراك ومن السوريين انتحالا هو من أهم المواضيع التي تهم سوريا الجديدة كما يمكن تصورها , وتصور سوريا الجديدة يعني صياغة تعريفا واضحا لمفهوم المواطنة السورية والوطن السوري والمواطن السوري ,بدون التعريف الواضح الجديد لا لزوم لتصور سوريا الجديدة , ولا لزوم للعمل من أجل سوريا الجديدة , لأن الجديدة ستفشل عندئذ كالقديمة , ظروف قيام الدولة السورية “القديمة” بعد الحرب العالمية الأولى كانت أكثر تيسيرا من ظروف الحاضر , في ذلك الوقت لم يكن لسوريا دوليا سوى الأصدقاء المتعاطفين معها , والآن ليس لسوريا سوى الأعداء نفورا منها ومن تصرفاتها وسياساتها .
من هم هؤلاء العثمانيين ؟ العثمانيون هم قبائل رعوية عاشت في شمال غرب الصين متنقلة من مكان لآخر ومتصادمة مع بعض الحضارات , في اطار التنقل وصلت هذه القبائل في منتصف القرن الثاني عشر الى منطقة آسيا الصغرى,هنا أسس عثمان غازي السلطنة ,التي نسب اسمها اليه , توسعت سلطنة عثمان غازي في ظروف مناسبة كظرف ضعف الدولة البيزنطية , مما فتح الطريق أمام غزوات البلقان في منصف القرن الثالث عشر , وفي عام 1453 تمكن السلطان العثماني محمد الثاني من احتلال القسطنطينية واسقاط الدولة البيزنطية ,وبذلك تمكنت البربرية من اسقاط حضارة روما الشرقية , كما تمكنت بربرية القبائل الجرمانية من اسقاط روما الغربية , ومثلها فعلت قبائل بدو صحراء الجزيرة العربية في بلاد الشام .
في اطار غزو أوروبا من قبل العثمانيين كانت هناك انتصارات وانهزامات , الانهزامات كانت بصورة خاصة أمام روسيا والنمسا , مما دفع العثمانيين للتوجه شرقا وجنوبا في القرن السادس عشر , أي الى فتح بلاد الشام وشمال أفريقيا , لقد فتحوا واحتلوا وتملكوا ثم تركوا كل شيئ على ماهو عليه , وضعوا الشعوب في حالة نوم قسرية كنوم أهل الكهف , اكتفت الدولة العثمانية بالتحصيل عن طريق الوالي كما فعل بدو الجزيرة بخصوص الجزية التي يجب على الشعوب دفعها عن يد وهم صاغرون ,عثمانيا كان هناك مايسمى “السروجي” , الذي عليه جمع المال من الولايات المختلفة بالعنف , لقد اختصر الأستاذ الدسوقي علاقة العثمانيين بشعوب الولايات بثلاثة كلمات , مال وسيطرة وسيادة ..
لايمكن تمييز الاحتلال العثماني عن غيره , الا بكون العثماني ممثلا للشر المطلق , والاستنزاف المطلق , والاستغلال المطلق والتأخر المطلق بوجوه مختلفة , لقد كان العثمانيون فاتحون , بالرغم من عدم استقامة فتح بلاد مسلمة لبلاد مسلمة أخرى بقصد نشر الدين , فالدين منتشر , مضمون الفتح في الحالة العثمانية كان التملك , اي تملك بلدان أخرى كغنيمة حرب , وبذلك استهلاك البلاد وشعبها لصالح آل عثمان , والى الأبد كما ظنوا , لقد استخدم العثمانيون وعلى الأخص المتعثمنون من الشعوب الأخرى كل وسيلة للكذب والتضليل , لقد ادعوا حماية الشعوب من الافرنج الصليبيين , عندما لم يعد هناك صليبيين ,ارادوا بناءا على طلب خطي من مشايخ حلب تحرير المنطقة من المماليك , الا أن عملية السلطان سليم الأول كانت استعمارا بدلا من استعمار المماليك ولربما أسوء من استعمار وهيمنة المماليك , كما كان الحال مع مايسمى تحرير بلاد الشام من الرومان ,الذي جاء باستعمار بدوي جاهل وقاتل وفاسد اضافة الى ذلك , انظروا الى آثار المشاريع العملاقة , التي تركها الرومان , وماذا ترك العثمانيون وماذا ترك بدو الجزيرة في بلاد الشام بعد استعمار دام ١٤٠٠ سنة ؟.
العامل ألأهم في تقبل سكان بلاد الشام للفاتح المحتل المتملك العثماني كان العامل الديني , الذي تم طرحه في اطار ضرورة الالتزام بمبدأ الولاء والبراء . المؤمن المحمدي يناصرالمؤمن المحمدي على أي حال, وماذا كانت نتائج من هذه المناصرة ؟؟؟ , لخص الأستاذ الدسوقي أمر العثمانيين بالشكل التالي ”السلطان العثماني كان أمبراطورا استعماريا ,وقد عاشت البلدان العربية التبعية المطلقة للسلطان,ولم تشهد هذه البلدان أي معالم نهضة أو حضارة , وهذا لايأتي سوى مع الاستقرار, وهو ما حرم العثمانيون شعوب مستعمراتهم منه ”بدو الجزيرة لم يكونوا أفضل من بدو الأناضول .
وضع بدو الجزيرة ومن بعدهم بدو الأناضول الشعوب في حالة نوم كنوم أهل الكهف وفي عزلة خانقة دامت العديد من القرون , حتى أنه كان من الضروي برطلة السلطان ليسمح لبعض الارساليات بفتح المدارس , التي اسسها الفرنسيون والطليان والألمان والأمريكان وغيرهم خاصة في بيروت , ولاتزال بعض تلك المدارس تعمل الى يومنا هذا , بعد احتلال مصر من قبل نابليون عام ١٧٩٨ بان التخلف والجهل الذي تم فرضه على الشعب المصري , وكانت المفاجأة بمثابة صدمة حضارية للمصريين , فبينما كانت سفن الحملة الفرنسية ترسوا على شواطئ الاسكندرية, كان قادة جيوش المماليك يؤكدون بأنهم قادمون لسحق الفرنجة تحت سنابك خيولهم , لقد ظنوا بأن الفرنسيون قدموا الى مصر للحرب بالسيف, عندما سمع المماليك أصوات المدفعية تعوذوا من الشيطان واتشرت مقولة “ياخفي الألطاف , نجنا مما نخاف ” بين الشعب , اهم انجاز للحملة الفرنسية كانت المطبعة التي ساهمت بشكل كبير تقدم شعوب المنطقة
لايدعي المقال مقدرته للاجابة على كال الأسئلة التي وردت في مقدمته , الا أنه من الضروري التنويه الى تشابه أكاذيب الفتح البدوي لبلاد الشام مع أكاذيب الفتح العثماني لبلاد الشام , لقد رفع المستعربون العديد من الشعارات ,منها شعار تحرير بلاد الشام من الاحتلال الروماني -الفارسي , ووضع البلاد تحت الاحتلال البدوي ,وكأنه كانت هناك منفعة أو فائدة من استبدال الاحتلال الروماني بالاحتلال البدوي القريشي ومن بعده العثماني , ففي كلا الحالتين كانت اشاعة التأخر والجهل والجمود والعزلة هي النتاج الأساسي للفتوحات البدوية القريشية والعثمانية ,التطور خلال القرون الأريع عشر كان الى الأسوء , الذي لاتزال شعوب المنطقة تعاني منه حتى هذه اللحظة …