نيسرين عبود,سمير صادق:
لايمكن ربط الثقافة بالمقدرة الأبجدية , هناك أمي مثقف وهناك مثقف أمي , وللثقافة علاقة مبدئية مع وضوح الأفق ,وعن سوريا يمكن القول بأن أفقها وبالتالي الثقافة السورية ضحلة وضعيفة وفقيرة جدا , ونتيجة لذلك الضعف أصبحت الهيمنة على الشعب سهلة , لذا تمكنت الديكتاتورية من الهيمنة والتحكم بالبلاد نصف قرن على الأقل وبدون مقاومة تذكر ,كما كان الحال مع الاستعمار العثماني والقريشي لمدة ١٤ قرنا ,لم تكن الأسدية شكلا وزمنا أكبر من نقطة في بحر العثماني وبحر القريشي .
لو انقلب عسكر دولة يوم ٨ آذار , ولو انهزمت دولة عام ٦٧ وفقدت مساحة كبيرة من أراضيها نتيجة لحرب لم تدرس ولم يهيئ لها بشكل صحيح , ولو اعلن وزير داخلية دولة أن رئيس هذه الدولة نال ١٠٠٪ من أصوات الناخبين , ولو قام رئيس دولة بحركة “تصحيحية” مضمونها ادخال بعض الناس الى السجن الى آخر الانجازات الفولوكلورية , ولو كانت تلك الدولة على سبيل المثال فرنسا أو غيرها , لما بقي الرئيس والبعث والمشايخ والعائلة وماهر وبشار وبشرى ورفعت وجميل ونجيب ومخلوف وغيرم ساعة واحدة خارج السجن .
لم يدرك الشعب الغير مثقف هول وفداحة تلك الأحداث حتى بعد عشرات السنين , وبعد ادراكه الجزئي للهول ثار الكسيح المعاق وانهار بعد أشهر , ليحل محله كسيح ومعاق آخر يحمل بندقية وسيف , انه السياف ابوالسيف الذي تعارك مع رجل الغابة راكب دبابة , من انجازاتهم كان تهديم البلاد ودفع أكثر من نصف الشعب السوري الى الهروب واللجوء والنزوح,ثم مقتل مئات الألوف واختفاء مئات الألوف في غياهب السجون,اضافة الى فشل الدولة وتحولها الى مستعمرة من النوع الذي لايرغب أي مستعمر باستعماره , وحتى كمستعمرة لا أحد يريد هذه البلاد, ولا وجود لدولة تقبل ممارسة الوصاية على سوريا حتى لفترة قصيرة ومحدودة .
توقف النشاط الثوري السلمي بعد أشهر فقط من بدايته , لضعف في الثقافة الثورية, ولخلل في الوعي الثوري وثورية الوعي , ثم جاء جزارو الفصائل ليكملوا ذبح الثورة ,حل محل النشاط الثوري تعارك اشكال مختلفة من الجهل المطلق المتمثل بأبو بندقية وأبو دبابة, وزادوا على خراب البلاد خرابا ,البعض قال بأن اندلاع الثورة الكسيحة تأخر جدا , وجورج طرابيشي قال قبل وفاته بأن اندلاعها كان مبكرا جدا , من باب الثقة بطرابيشي,نظن أنه اجتهد وأصاب , والبرهان على ذلك هو مانراه اليوم , حيث لاتوجد ثقافة, لايوجد وعي ولا يوجد وضوح في الأفق ولا توجد ثورة حقيقية, لابد للثورة من مقدمات تنويرية لم تتحقق في سوريا .
هذه بلاد جاهلة, وعليه لايمكن أن يحكمها غير الجهل , وهل من الممكن تصور نهاية أخرى لبلاد جاهلة ويحكمها الجهل ؟؟؟ , هناك مثقفين بدون شك , الا أنه وبدون أي شك لاتوجد ثقافة معممة شعبية , كيف يمكن تثقيف الناس عندما يمارس ١٪ منهم القراءة , وهل هناك مايستحق القراءة في بلاد الممنوعات والمحجوبات والمحذوفات؟؟ , هل تستحق جريدة البعث أو الثورة القراءة ؟؟ وهل تصفح البعث أو الثورة أو تشرين مكرس للثقافة او للجهل ؟, حتى النت لم يسلم من مقص الحذف والحجب , ومن قال على أن السلطة تريد تثقيف الشعب؟ شأنها كشأن الاستعمار العثماني والقريشي الذي اقفل المدارس وحارب تشغيل العقل , واغتال اكثر من ٩٨٪من المتنورين الذين أتو من بيئة حضارية فارسية.
ممارسة الحياة كانت منقوصة والهدف الأعظم للأحياء كان البقاء العضوي على مستوى متدني من الحياة , الفكر والعقل والمعرفة والثقافة أصبحوا كماليات مرفوضة في زمن المقاومة والممانعة , الممانعة تسمح بالتخلي عن كل شيئ باستثناء القائد والولاء له , أغمض عينيك وسر خلف القائد, فستصل الى الهدف المنشود ,القائد اعاد للشعب كرامته واستقلاله الذي سمي الاستقلال الثالث ,بذلك يجب الانتظار بخصوص الديموقراطية والحرية, فنية القيادة جيدة, الا أنه لظروف المعركة مع العدو متطلباتها, اليوم سنحرر ولا وقت لفذلكات الديموقراطية , لذلك كان على الرصاص أن يلعلع, انطلاقا من الحكمة التي تقول أنه لاصوت يعلو على صوت المعركة ,العرب كما تعلمون “أمة صوتية” , أمة مفتتنة بالضوضاء والضجيج والتكبير , لذلك أصبحت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس !