ممدوح بيطار , عثمان لي :
نتعجب من انفعال البعض عند طرح وجهة نظر تدعي بأن داعش كفكر وممارسة موجودة منذ ١٤٥٠ سنة , وحتى قبل ١٤٥٠ سنة كانت هناك ممارسات ومفاهيم مشابهة لممارسات داعش, وانه لاوجود لفرق أساسي بين الصديق والبغدادي , وما يفرقهم تمظهرا قد لايتعدى ساعة الرولكس التي حملها البغدادي ثم التذبيح المشهدي امام كاميرا داعش .
لم تولد البدايات قبل ١٤٥٠ سنة هكذا فجأة بالشكل الذي تعرفنا عليه من التاريخ , انما كانت في العديد من ملامحها صورة عن الجاهلية, والجاهلية كانت صورة معدلة عما قبلها وهكذا , لاوجود في العالم لشعب مبتور عن ماضيه , كل شعوب العالم تعرف فئات تريد استحضار الماضي بقضه وقضيضه الى الحاضر , ثم فئات تريد صناعة ماهو جديد , وشعوب تأحذ الجيد من القديم من وتبتكر ما هو جديد , فتلك الخصائص ليست محمدية او داعشية ولا هي عربية حصرا , انما تعرفها كل المجموعات بشرية .
من الملفت للانتباه كان ذلك التطابق الكلي بالممارسات والشعارات والمفاهيم والمبادئ بين الداعشية والمحمدية , مما دفع البعض الى الظن بأن داعش ستكون الفرقة الناجية , ومما لفت الانتباه ايضا كانت تلك الحساسية عند بعض المؤمنين تجاه تشبيه خلافة امير المؤمنين البغدادي بأمراء المؤمنين من السلف الصالح , هنا نظن أن البعض يشعر بأنهم متهمون ويتعرضون للاساءة الى دينهم , وكأن القول ان البغدادي كان خليفة كغيره من الخلفاء اساءة الى عمر ابن الخطاب او خالد ابن الوليد او غيرهم من الموعودين بالجنة, ذكر الحقيقة التاريخية ليس اساءة انما موضوعية .
لاتتعلق المشكلة هنا بنوعية مايقال عن الدين وعن الاخوان وعن داعش وغير داعش , انما بدوغماتيكية الفكر الديني , الذي لايتقبل النقد صغيره أو كبيره , الثوابت والمقدسات لاتنسجم مع ممارسة النقد , لذا على كل نقد أن يوقف بالتخريس , وللتخريس أشكال وأنواع مختلفة من أهمها القضاء على الناقد عن طريق رجمه بالتخوين والتكفير وسوء الأخلاق والتآمر ثم خنقه بوابل من الشتائم والانتقاصات المقرونة بالمديح المنتفخ للدين السمح والدين الذي لايعرف الترهيب والترغيب , والاصرار على نفي اي علاقة بين داعش وبين السلف الصالح ,وهل نفى الأزهر تلك العلاقة في ظل مقولة “انما المؤمنون اخوة”؟ وهل تم تكفير داعش كما تم تكفير فرج فودة والسعداوي وطه حسين وغيرهم ؟
تتعلق المشكلة اضافة الى ذلك بارتشاح الانتماء الديني المذهبي في نظام الدولة التي نعيش بعصرها , الدولة تتطلب انتماءا أوليا لايستقيم مع الانتماء الأولي للعشيرة او للمذهب الديني , هناك على مايبدو من يعيش في عصر آخر , ولا يستطيع الانسجام والتفاعل مع خواصه ومفاهيمه ومتطلباته , التي تتناقض مع التمحور حول الدين , فبالنسبة للبعض يمثل الدين بترهيبه وترغيبه المعنى النهائي للحياة , انه بداية ونهاية تاريخ الشخص الأرضي ومصدر أبديته السماوية , وسيان ان كان هذا الاعتقاد خاطئ أو صحيح , المهم أنه يقين لايزعزعه سوى القضاءعلى ثقافة نعتبرها جاهلة واقامة ثقافة نيرة أخرى , وكيف ستتمكن شعوب أمية بنسبة ٥٠٪ تقريبا من القضاء على الجهل او الثقافة الجاهلة ؟ , و لحد الآن ترتفع نسبة الأمية الأبجدية في الشرق الأوسط , وماذا عن المعارف واكتسابها بوجود نزعة عدم التلوث بالآخر ! وماذا عن الثقافة النيرة وعن انتاج الفكر النير الخلاق , الذي لايعمل بدون حرية , واين هي تلك الحرية في هذه المنطقة ؟؟
لكل ماذكر علاقة أساسية مع خارطة ادراكية يقينية مسبقة , يأتيك الاخونجي بقلب وعقل منغلق وبسلاح مصدره التراث الديني من آيات وأحاديث وقيم موروثة , وعند أول مفارقة أو تباين بوجهات النظر ينكمش على خارطته الادراكية المسبقة والتي لايملك غيرها , يقف مشدوها وعاجزا ومنزوعا من السلاح الفعال , وفي حالة منذرة بالاستسلام يلجأ الى اغتيال نظيره أو محاوره بالاقصاء او الاعدام الاجتماعي أو الاعدام الأخلاقي أو الوطني أوبتقزيم المحاور وتشويهه عن طريق شتمه واعتباره كلبا أو ذئبا أو ارنبا أي حيوانا وليس انسانا , الأمر ينتهي بالشقاق الذي كان له أن ينتهي بشيئ من التوافق , ومن الاختلاف المبدع يولد الخلاف المقاتل, وبالتالي الأزمة التي قد تنتهي بالغاء المحاور فيزيائيا , وكم من محاورة انتهت بمجزرة !
النظرة قاتمة وتنذر بعدمية حاضرة ومستقبلية من الصعب التصالح معها والاستسلام للدونية, وكأن كرموزومات هذه الشعوب من نوع سيئ كالبضاعة الصينية , هناك من لايرى الأمر كما نراه وهناك من يرى تلك المخلوقات متدينة , الا أنها مسكونة بالمدنية ,مخلوقاتنا كغيرها من المخلوقات , الا أنها مجذوبة ومقيدة بشدة من الخارجي البدوي , الذي ينافس الفكر الداخلي ويمنعه من التمظهر وقد يصرعة اذا استلزم الأمر ذلك , انها ديكتاتورية دينية عشائرية تمنع صناعة الفكر ذاتيا بسبب طغيان النقل على العقل , وتمنع تكوين ادراكية ذاتية واستقلالية حتى في أبسط أمور الحياة , لدى الشعوب صعوبات جمة في الخروج من دائرة الدفاع المستميت أو بالأحرى المميت عن مواقف غريبة عن الذات مثل الخرافات! , أو الاعتقاد بأن الأرض مسطحة في القرن الحادي والعشرين, وبوجود سماء سابعة الخ, هنا يتحول الفكر الخارجي البدوي الى عبئ استعماري ثقيل ,لايتفق هذا الفكر مع العديد من اليقينات الشخصية , التي تكونت بتحول العالم الكبير الى قرية صغيرة يتصادم بها فكر خلاق مع فكر مميت لايعرف كيف سيتطور انمايعرف كيف سيموت ويميتنا معه, عندما يكون على الذات تبني فكرا مناقضا ليقيناتها تتقزم وتنكمش وتتحول الى مستعمرة منفعلة من الخارج وليست فاعلة من الداخل , مستعمرة تلقينية .
أما عن العلاج , فلا علاج دون احياء العقل النقدي , الذي ضمر ومات بفعل المقدسات وطغيان الخارج التراثي البدوي على الداخل التطوري الابداعي , الانسان العربي نظريا كغيره مسكون بالمدنية , وما هي أهمية تلك المدنية عندما تكون ساكنة وبدون حيوية , الجماعات تعيش على نسق السلف الصالح ,ولكن بتجهيزات التحديث , الذي مكنها ريع البترول, تتهافت تلك الجماعات على استيراد كل جديد ,الا أنها ترفض استيراد الحداثة , التي مكنت الشعوب الأخرى من صناعة هذا الجديد المتطور .
يمثل التباين بين التحديث والحداثة جسدا تنخره التناقضات , جسد يعيش في زمن وعقله هائم على وجهه في زمن آخر , يتطلب التقدم ثورة, ومن يريد ثورة عليه أولا أن يثور على المعيقات ,مثل التراث البدوي المتجذر في النفوس , الذي وتحول بسبب الازمان الى جزء من الذات أي تعضى , لذا يجب على الثائر أن يثور على نفسه أولا وعلى التراث المكون لجزء من شخصيته وكيانه التربوي الأخلاقي النفسي , هذه هي ثورة وما تبقى ليس سوى انقلابات !!!!