ربا منصور,مها بيطار :
ألمثقف !!تعبير جديد نسبيا على اللغة العربية وعلى التراث , اذ لم ترد مفردة “ثقافة” في المصحف او في السنة , ولم ترد في نصوص العرب الجاهلية ,كلمة مستحدثة , وبالتالي فان المثققف العربي شخصية مستحدثة .
من الصعب جدا الثبات على تعريف معين ومحدد للثقافة , هناك تعاريف متنوعة ومختلفة جدا , الا أننا نفهم من كل هذه التعاريف مضمونا واحدا وأكيدا , وهي ان الثقافة نوعا من التحرر , تحررعقلي من الجهل مثلا ! , فحسب هيغل لايولد الانسان حرا ,وانما يأتي الى العالم وبامكانه بعد ذلك أن يصبح حرا , واذا بقي المخلوق البشري فطريا , كما هو حال هذا المخلوق في السنين الخمسة الأولى من حياته , فانه يبقى بعيدا عن الحرية وعن الثقافة التي عليه وبامكانه ان يكسبها بتحوله من الفطرة الى الحضارة .
الموروث !, كالموروث الديني على سبيل المثال , هو أقرب من الفطرية مقارنة مع الصيغ السياسية , التي هي أقرب الى الحضارة , والأمر الذي نريد الاشارة اليه , هو أمر بعض المثقفين الذين تنكصوا وانتقلوا تراجعا من الحضارة الى الفطرة ـالغريزة , أي من الطور السياسي الى الطور المذهبي أي الى الطائفية المذهبية , قد لايكون الأمر تنكصا اراديا , وانما انسجاما مع المقدرة ومع البيئة , فالعناية بالطور السياسي , الذي يتلو الطورالغريزي يتناسب مع ماهو موجود من مقدرات ذاتية , وما تواجد من مقدرات كان قزما من صنع بيئة الخلافة القريشية ثم الخلافة -السلطنة العثمانية تباعا .
لايولد الانسان مثقفا , ولا يرث موقفه ووعيه , بل يتعلم كل ذلك في مرحلة الحياة المسماة ” سياسية ” بعد المرحلة الفطرية – الغريزية , يتطور التعلم في المرحلة السياسية الى مواقف اجرائية ذات علاقةمع اعتبارها ممثلة لمجمل المعارف والقيم والأفكار والتصورات والنماذج المكتسبة , والتي يعيد المثقف انتاجها وتطويرها اجتماعيا وبأشكال مختلفة ,تبعا لكل مثقف وفقا لتحولات الزمان والمكان محليا وعالميا, لذلك من المألوف رصد مواقف مختلفة وحتى متناقضة للمثقفين تبعا لكل شعب ولكل جغرافيا ولكل زمان .
لقد تجاوز السوريون المرحلة الفطرية في أواخر الانتداب الفرنسي , ولم يكن ذلك التجاوز بالدرجة الأولى من انتاج المقدرة والارادة الذاتية , وانما نتيجة لارادة ومقدرة سلطة الانتداب ,التي غلفت السياسة بغلاف رقيق جدا أوبقشرة من الديموقراطية والوعي الديموقراطي, سنوات قليلة بعد رحيل الانتداب عاد السوريون كغيرهم من الشعوب العربية الى العشائرية البدوية , سنين أخرى عادوا الى طبيعة القرون الأربع عشر الأخيرة , التي كانت من أقبح أشكال الديكتاتورية , وأخيرا استقر الأمر مع المذهبية التي تعيشها هذه الشعوب الآن وتتقهقر من خلالها .
حقيقة لم يكن للجميع ومنهم المثقفين العديد من الخيارات والحريات والامكانيات , فالسلطات الفتاكة قضت على السياسة ومنعت ممارستها تحت طائلة العقوبات الاسطورية ,حتى الموت الذي قد يكون نهاية انسان مارس نشاطا سياسيا مرفوضا من قبل السلطة,السوري كالمصري وكالعراقي وغيرهم هو مواطن عاش ويعيش لحد الآن في جمهورية الخوف المدمنة على الفاجعة والمدجنة للموت , جمهويات وممالك وامارات الدماء الحمراء, الأحمر هنا ليس اتجاها سياسيا , وانما هو لون الأرض ولون الهواء في بلدان لاتنتج الا الموت والدم , ولا يوجد بها شيئا أبخس وارخص من حياة الانسان .
اننا ا أمام نظم وسلطات سيطرت على البلدان في القرن الأخير بعد الاستقلالات , وتحت هذه السيطرة ولدت تناقضات عدة قادت الى الحروب والى التفتت والتجزئة , وفي سياق تسلطها على البلدان ألغيت الحريات , والغي كل تطور ديمواطي كان موجودا على سبيل المثال في سوريا في أربعينات القرن الماضي , ففي سوريا كان الوضع في سنين الاستقلال الأولى مقبولا , الا انه انهار بعد عام ١٩٥٨ وعبر عام ١٩٧٠ , وعلى الأخص بعد عام ٢٠٠٠ , والاندثار الكامل بدأت بعام ٢٠١١ ,فبعد عام ١٩٥٨ اصبح الفساد دستورا بتزايد شاقولي ,والديكتاتورية الأسطورية نظاما , والجيش مرتزقة ,والبلاد مزرعة مأممة من قبل السلطة, لالزوم للمزيد من التفصيلات , فحال البلاد معروف لدى الجميع, باختصار يمكن القول ان نهاية الاستعمار الخارجي كانت بداية الاستعمال الداخلي , الذي تبين على أنه أسوء من الاستعمار الخارجي بدرجات , التأخر كان الفاعل الرئيسي عند شعوب مدمنة على الانفعال !
التنكص الى الوراء عموما واستبدال الحضارة السياسية بالفطرية الدينية , أي الطائفية , هو مجمل ما أنتجه الانسان في هذه المنطقة وفي هذا العصر !