جورج بنا , عثمان لي :
من التطورات السياسية , التي بقيت في مرحلة المساومة ومنذ التسعينات تقريبا كان مفهوم “التسوية” , أي تسوية الاشكالية الجغرافية والسياسية مع اسرائيل , فنجاح التسوية عمليا ونظريا تعلق بالنوايا الحقيقية للأطراف المعنية بالأمر , والأطراف هي اسرائيل من جهة ثم كل دولة عربية على حدى من جهة أخرى , فناويا الدول العربية مختلفة وحاجتها الى التسوية مختلفة وحتى مضمون التسوية مختلف جدا من دولة لأخرى .
دعونا نتجاهل وضع الدول العربية الأخرى , ونركز بعض الشيئ على سوريا واسرائيل خاصة سوريا , فبالنسبة لاسرائيل نكاد نجزم بأنها تستفيد من التسوية أكثر من استفادتها من حالة الحرب , لذلك يمكن القول بأن نية اسرائيل يجب أن تكون في هذا الخصوص ايجابية مع بعض التحديد , فاسرائيل التي انتصرت عسكريا تريد بناء على ذلك املاء الكثير من الشروط وكذلك جني ثمار انتصاراتها , وهذا أمر أكثر من مألوف في ترتيب العلاقات بين الدول المتحاربة وبين الدولة المنتصرة والدولة المهزومة .
أمر سوريا مختلف تماما , فبينما من الواضح بأن الحكومة الاسرائيلة قادرة على توقيع أي اتفاق تريده مع سوريا , لكونها حكومة منتخبة , تعاني الحكومة السورية من مشاكل كبيرة في هذا الخصوص , وأول المشاكل هي مشكلة الشرعية ,ثم تعريف الحاجة الى تسوية مع اسرائيل ,وتعريف مقدرة نظام دكتاتوري على توقيع اتفاقية مع اسرائيل , اتفاقية تحقق شروط التسوية والتطبيع والفائدة المشتركة .
عند التكلم عن سوريا يجب الفصل بين مصلحة البلاد ومصلحة الحكم , هناك تعارض وتضارب بين هذه المصالح , ماهو جيد لسوريا سيئ للنظام , وموضوع التسوية يخضع الى هذه الأحكام , التسوية هي من مصلحة سوريا مهما كان شكلها , لأنه لابديل ايجابي لها , وموضوع التسوية بحد ذاته ايجابي بالنسبة للنظام , بشرط بقاء هذا الموضوع في حكم المساومة والمماطلة والأخذ والرد أطول مدة ممكنة , وبشرط عدم توقع اتفاقية نهائية حاسمة , وبشرط بقاء الأمور على حالها المراوغ المتردد , أمر سوريا ثانوي جدا , فالنظام حريص جدا على بقائه والحرص على بقاء سورية ليس من مهماته .
النظام بحاجة الى ابقاء أمر التسوية قيد الدراسة والتفاكر والتحليل والمساومة والتحادث والتواسط والتباكي والابتزاز الى ماشاء الله , لأن مجرد البحث بأمر التسوية يحسن شروط بقائه , فالتسوية هي الجزرة الي يريد الحمار الذي يركبه النظام قضمها ,الا أنه لايستطع الوصول اليها ,وليس من مصحة النظام وصول حماره السوري اليها , لأنه بالوصول الى الجزرة تنتفي الحاجة الى الحالة البوليسية التي تحمي النظام من سوريا قبل أن تحميه من اسرائيل , اذ أن التهديد الذي يعاني النظام منه هو تهديد داخلي بحت , ولا مصلحة لاسرائيل المتعادية مع سوريا بأن يكون النظام الذي يحكم سوريا نظاما يعمل على تقوية البلاد وتحديثها ,فاسرائيل ليست مسؤولة عن سوريا وانما عن اسرائيل فقط .
من يراقب الحدث السوري -الاسرائيلي لايرى سلاما , ومن الجهة السورية لايرى حربا , وانما تلقيا انهزاميا لآلة الضرب والحرب الاسرائيلية , التي تنفذ عسكريا ومن طرف واحد ماتريده سياسيا , هنا قد يقول قائل بأن الاتفاق السوري -الاسرائلي موجود على ارض الواقع , وبنوده تنفذ على أرض الواقع , والتي تتضمن تنفيذ الشروط الاسرائيلية كاملة وبموافقة سورية عملية , حتى أن شعارات التهديد والوعيد تبخرت , سوريا استسلمت لاسرائيل دون أي مكافأة رمزية , بعد أوسلو وخروج مصر من دائرة الحرب نالت مصر سيناء , وبعد وادي عربة نال الاردن مكافأة رمزية , اين هي المكافأة التي نالتها سوريا ؟؟؟.
لايحتاج النظام الى مراعاة الواقع الذي يفرض استسلاما كاملا لاسرائل المتفوقة عسكريا على سوريا , خاصة بعد خروج مصر والأردن من معادلة الحرب , استسلاما سلميا قد يأتي ببعض الفوائد الى سوريا على شكل مكافأة , فالواقع هو واقع النظام وبقائه , الذي يتطلب بقاء مفهوم التسوية بدون حياة وعلى قيد الحياة .
الواقع هو واقع سوريا الأسد وسوريا الفصائل , ولكن هل يمكن لسوريا أن تبقى سوريا الأسد وسوريا الفصائل وسوريا الميليشيات سوريا الجملوكية , اي الملكية -الجمهورية ؟ لايمكن ! , حتى ولو طال زمن نزاع الموت الأخير, لن تبقى سوريا معكرة للانسجام الدولي ومارقة على الترتيات العالمية , سوريا الفصائل والكتائب والميليشيات سوف لن تبق كما تريد الفصائل والكتائب والميليشات لها أن تبقى , اما لها أن تتصومل وهذا يعني حذفها من التاريخ كدولة , أو اقامتها من جديد , وهذا يتطلب تنظيفها من الفصائل والكتائب والميليشيات , والتنظيف يتطلب تعاون السوريين مع الارادة الدولية تعاونا ايجابيا عن طريق رفض الفصائل والكتائب والميليشيات الاخونج السياسي بأشكاله المختلفة ,هل يمكن لكل ذلك أن يتم بدون نظام قريب من العلمانية وقريب من الديموقراطية ؟