الجنسية الدينية والبدائل…..
ممدوح بيطار,سيريانو :
لم يكن من الخطأ محاولة استبدال الجنسية الدينية بالجنسية الاجتماعية وحتى القومية والفكر القومي , بالرغم من بعض ملامح العنصرية بما يخص الفكر القومي , قاد الفكر القومي في مناطق أخرى من العالم لاقامة الدولة “القومية ” الناجحة , في المنطقة العربية فشل الفكر القومي للعديد من الأسباب, منها على سبيل المثال طريقة تعامله مع الفكر الديني , لقد أبعد الفكر القومي الأوروبي الدين عن السياسة , بينما جاء الفكر القومي العربي بالدين الى السياسة , أو بكلمةأخرى لم يتمكن الفكر القومي العربي من الدفاع عن نفسه ضد التسلل الديني وضد احتلال هذا الفكر من قبل العسكر اللافكري , العسكر ليس قومي وليس ديني انما سلطوي لا أكثر ولا أقلل.
لم تفهم الديكتاتوريات سواء كانت دينية او عسكرية مدنية أن تحرير الوطن لايتم الا عن طريق تحرير المواطن , وبأنه لايمكن جمع ضدية تحرير الوطن مع استعباد المواطن وبناء المزيد من السجون للمزيد من المواطنين , وعلى هذا المنوال تم تحرير الوطن من الفقر بافقار المواطن , ومن الجهل بتجهيل المواطن وتخريب مؤسسات التعليم وانشاء مراكز التحفيظ , تنمية المجتمع المدني عن طريق الدولة الأمنية التي قتلت المجتمع المدني , مكافحة الأصولية عن طريق خلق الظروف التي تمكنها من النمو والتعاظم , كل ماذكر من أخطاء , ولو اتسع المجال لذكرنا أكثر منها , لم تجد ممارسة في ظل القوميات الأوروبية , لقد كان هناك العكس مما ذكر, لذك كان هناك النجاح وهنا العكس منه أي الفشل.
نشا الفكر القومي الأوروبي في دول مستقلة , بينما لم تكن الدول العربية التي نشأ بها الفكر القومي العربي مستقلة , والتحديات الخارجية التي تعرضت لها الدول العربية تختلف جذريا عن التحديات التي تعرضت لها الدول الغربية , التي امتلكت الاستقلالية وامكانية اتخاذ القرار, هناك ولد التنوير وتمكن من التأثير على الأوروبيين , الذين تواجدوا في مجتمعات علمية صناعية علمانية ,لم يكن للتنوير المنقول من أوروبا الى الشرق ذلك التأثير الكبير , مفاهيم التنوير لم تجد في الشرق العشائري المتخلف ثقافيا تفاعلا ايجابيا كافيا , اضافة الى ذلك مناصبة العداء للغرب ورفض الغرب الذي لازال قائما والمؤسس على عدة عوامل منها الدين ومنها الحسد الذي يتحول عادة الى حقد ورفض ,ثم الانجرار الى الفكر المؤامراتي واشكاليات أخرى تتعلق بمهمات الدين وعلاقة الدين بالسياسة التي انعدمت في الغرب وراجت في الشرق خاصة بعد ولادة الاخوان عام ١٩٢٨ , هناك أمور تتعلق بحقوق المرأة وحقوق الانسان التي طورها الغرب الى الأمام بينما طورها الشرق الى الوراء..
لم يكن نشوء الفكر القومي في هذه المنطقة نتيجة لصراع مع الفكر الديني, كما كان الحال في أوروبا , وانما نتيجة للصراع مع العثمانيين , في أوروبا انتصر الفكر العلماني وبالنتيجة تشكلت سلطات قومية علمانية ديموقراطية , عكس ذلك حدث في الشرق , فالسلطات التي حكمت البلدان العربية كانت قومية, وبعد عام ١٩٢٨ ارتشحت هذه السلطات القومية بالفكرالاخونجي السياسي, حتى انه تم الترويج لمفهوم العروبة اسلام والاسلام عروبة , هذه السلطات القومية الدينية كالناصرية لم تكن علمانية ولم تكن ديموقراطية , في أوروبا تم الفصل بين الدين والدولة , وهنا تم دمج الدين بالدولة , وهل من الغريب فشل الديكتاتوريات ونجاح الديموقراطيات ؟؟ لذلك نجح الفكر القومي الأوروبي وفشل العربي .
لم يكن من الممكن أن تصل الأوضاع العربية الى حالة البؤس التي نلمسها ونراها لو لم يرتكب الفكر القومي العربي -الديني أخطاء قاتلة لم يرتكبها الفكر القومي الأوروبي , الذي كان ثورة بمنتهى الايجابية والابداع , خاصة في مجال الحريات , حرية المواطن وحرية الوطن وتحرير الدين من الخرافة وتحرير المرأة والتحرر من الجهل , أما الذي حصل هنا فقد كان نوعا من العصاب القسري , لقد ركز الفكر القومي العربي كل اهتمامه على موضوع تجاوز التبعية للغرب والتحرر من الاستعمار الغربي , بعد أن حرر الغرب هذه الشعوب من الاستعمار العثماني , هنا لايمكن لوم هذا الفكر على ممارسة السعي الحثيث للتخلص من الاستعمار الخارجي , الا أنه في هذا الخصوص بقي ولعقود عديدة يراوح في مكانه , ذهب الاستعمار مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية , وانتهت الاشكالية , الا أن الجهاد ضد الاستعمار بقي وكأن الاستعمار لايزال موجودا.
كان الفكر القومي العربي سعيدا بالمراوحة في المكان , لتمكنه من توظيف هذه المراوحة في تكريس بقائه أو بالأحرى بقاء العسكراتاريا التي تبنته, ترافق العمل من أجل التحرر من استبداد مستعمرخارجي لم يعد له وجود فعلي , مع العمل الحثيث على تكريس مستعمرا استبداديا داخليا.