سمير صادق :
لو أخذنا حزب البعث وقيادته الخالدة وتفحصنا طرق اهتمامه وتعامله مع أعز ماتغنى به , أي مع العروبة وأهدافها وسبل تعاملها مع العرب , لاكتشفنا مايثير الاستغراب والتعجب , أستغرب حزبا قضى على نفسه دون أن يقضي غيره عليه , استغرب حزبا قضى على أهدافه دون أن يقضي غيره عليها , باختصار تم القضاء النهائي على البعث من قبل البعث , والقضاء النهائي يعني موت البعث كمبدأ ومفهوم وفكرة ومشروع , وتقمصه شكل جماعة ميليشاوية بزعامة قبلية-مذهبية لاعلاقة لها بالوحدة العربية , الا من زاوية الرفض والاستنكار, ولا علاقة لها بالحرية الا من زاوية ممارسة الاستبداد , أما الاشتراكية فقد تحولت الى نوع من رأسمالية اللصوصية التي من الصعب اكتشاف شبيها لها في هذا العالم !.
تبسيطا يمكن القول بأن البعث سقط بشكل رئيسي بفعل الممارسة قبل أن يسقط بفعل الفكرة , وحتى الفكرة لم تكن في الشكل مناسبة ولم تكن زمنيا ملائمة , بحيث يمكن القول بأن الفكر القومي المتمثل بشكل رئيسي بالبعث فشل لأنه ماكان له الا أن يفشل , لقد أتى مؤسسوا البعث بأفكار قومية كلاسيكية في القرن العشرين كانت في منتهى الجدوى والصلاحية , من حيث قدرتها على تأسيس الدول في أوروبا في القرن التاسع عشر, ففي الوقت الذي بدأ به القوميون العرب بالعمل القومي , كان الجو الفكري-السياسي في العالم متجها نحو الأممية , التي ولدت عام ١٩١٨ , بدأ الفكر القومي العربي بالعمل , بعد أن توقف الفكر القومي الأوروبي عن العمل وبذلك توقف الامداد الفكري .
وحتى العامل الظرفي والزمني كان قابلا للتجاوز لو اراد العروبيون للعروبة أن تنتج , الا أن اهتمام العروبيون لم ينصب على انتاجية العروبة, بقدر ما انصب على استهلاك العروبة , لقد نهبوا العروبة وتعاملوا معها افسادا وفسادا, كما يتعاملون الآن مع الأوطان , أخذوا من العروبة ما مكنهم من البقاء على الكراسي , ولم يعطوها المقدرة على الاستمرار والتطور , تعاملهم معها اتسم بالريعية , نهبوها الى درجة التيبس والجفاف, الى أن ماتت رحمة الله عليها ولكم بقاء العمر !.
وحتى في الجنازة نفذ صبر العروبيون , لقد ضاقت الدنيا بهم , نظروا الى الخراب بهم ومن حولهم , الى التمزق والتحارب والتشتت وخيانة الوعود والمبادئ , فالعروبة انتجت عكس ما أرادت!!!! , لذلك حلت عليها اللعنة والشتيمة , هاهو ممثل سوريا في الجامعة العربية يطلق قبل سنوات اسم الجامعة” العبرية” على الجامعة العربية , التي تمثل فراغ الوحدة العربية من المضمون , تحولت العروبة بنظر بعض العروبيون الى جيفة مقززة للنفس , كيف يمكن لانسان حضارة الحرف السورية تقبل انحطاط بدوية السيف الحجازي ؟…سقط القناع ! وكما انحل مفهوم الدين هو الحل , انحل مفهوم العروبة هي الحل …العروبة ليست الحل , الحل الأنسب كان في السورية القومية وفي القطرية السورية التي بلغت سياسيا من العمر قرنا , حضاريا يمكن التحدث عن ٧٠٠٠ سنة , ولها العديد من المؤيدين والأتباع , اضافة اليهم يلاحظ هجرة بعض المنقلبين على العروبة الى الفكر السوري القومي , في محاولة لتأميم واستهلاك هذا الفكر , كما تم استهلاك الفكر القومي العربي , أخذ من دون عطاء !!, والنموذج الممثل لهؤلاء كان رامي مخلوف , الذي اراد قيبل سنوات وفي أوج لصوصيته شراء السوري القومي الاجتماعي , فشل لأن السورية القومية الاجتماعية ليست سلعة معروضة للبيع , يمكن لمن يملك المال أن يشتريها , رامي مخلوف تاجر وبقي تاجر , والسورية القومية الاجتماعية فكر وبقيت فكر لايشترى ولا يباع .
لايزال بقايا العروبيون يبحثون عن جثة لنهشها , وفي البحث عن الجثة يشترك الاخوان معهم , يريدون العروبة ولكل منهم له ترجمته الخاصة لها , الترجمة الدينية تقول بأن العروبة هي المحمدية (مقولة ميشيل عفلق) , والترجمة العروبية تقول بالممارسة أن العروبة سلطة وتجارة رابحة , انتشار التجزئة والتفتت تحت قيادة العروبيين والاخوان , خاصة الوحدة الداخلية, كان البرهان على عدم اهتمامهم الجدي بالوحدة , التي تصدعت للعديد من الأسباب , أقلهم أهمية كان اعتبار سوريا قلب العروبة النابض , ثم اهمال هذا القلب النابض , الى أن توقف القلب عن النبضان وبالتالي قضي عليه ,ظنوا بأنه من الممكن اختذال مشاريع العروبة باطلاق اسم الجمهورية العربية على الجمهورية السورية , توهموا !!!!, اذ ليس بالاسم وحده يمكن اضفاء هوية فاشلة على الشعوب ,
أسأل العروبيين والاخوان , ولماذا لاتسمى سوريا الجمهورية الكردية السورية ؟ , فالأكراد يشكلون حوالي 15% من سكان سوريا ؟ , هنا يأتي الجواب القاصر , العرب هم الأكثرية لذلك يجب اطلاق صفة” العربية “على سوريا ,وكيف عرفوا بأن العرب هم أكثرية ؟؟, هذا الجواب بحد ذاته همجية فكرية , لأن الهوية لاتعني مراعاة اكثرية أو أقلية , انما مراعاة جميع السوريين , ففي الحقوق والواجبات يتساوى الجميع , وفي تسمية البلاد يتساوى الجميع , وفي موضوع دين رئيس الجمهورية يتساوى الجميع ايضا, استبدال الفرد الديكتاتوري بديكتاتورية أكثرية عددية على اساس العرق او الثقافة أو الانتماء الديني , لايستقيم مع الديموقراطية , المؤسسة على اكثريات/ اقليات سياسية ديناميكية متغيرة ومتطورة , تعريف الأكثرية / الأقلية بالعرق او الثقافة او الانتماء الديني يمثل تأسيسا للديكتاتورية العرقية أو الدينية , الأسوء بدرجات من ديكتاتورية الفرد .
الأصل في العروبة هو عنصريتها, وبالتالي مقدرتها التفتيتية , والأصل في الاخونج هو عنصريته وبالتالي مقدرته التجزيئية , وما نراه اليوم من تفتت وتشرذم ليس الا دليلا على مقدرة العروبيين والاخوان على اغتيال الأوطان , ولدوا في أوائل القرن الماضي , وتمكنوا من تحويل الأوطان خلال قرن الى أطلال !!