بعض تمظهرات التوهم ..

 ما بيطار:

كاريكاتير #قجوم #الوهم - ليبيا الوطن ليبيا الام | Facebook      لقد قيل لنا , ان سوريا استقلت يوم ١٧-٤-١٩٤٦ , وفي هذا اليوم نحتفل منذ حوالي ٧٥ عاما , أي منذ جلاء القوات الفرنسية عن سوريا , في هذه المناسبة , أتذكر نفس اليوم من عام ١٩٢٢ , يوم ولادة سوريا لأول مرة في التاريخ بعد الحرب العالمية الأولى , وبعد طرد العثمانيين , لا أعرف لحد الآن سببا وجيها لاعتبار يوم جلاء الانتداب الفرنسي يوما قوميا فقط , ثم تجاهل يوم ولادة سوريا كدولة لأول مرة في التاريخ ..هل يعود ذلك الى نفي صفة الاستعمار عن العثمانيين او غير ذلك ؟؟؟
واقعيا أجد قاسما مشتركا بين عام ١٩٢٢ وعام ١٩٤٦ , لاتقتصر دلالات عام ١٩٢٢ على الاستقلال فقط , انما تشمل تأسيس الدولة السورية بمساحة تعادل ١٨٥ الف كم٢ , وبعدد من السكان لايتجاوز ١,٥ مليون , وضعت الدولة الوليدة الجديدة تحت الانتداب الفرنسي , اعترف المجتمع الدولي بهذه الدولة , وكان لهذه الدولة وافر من الامكانيات , التي تضمن لها التقدم والرقي والرخاء , ولكن يبدو وكأن السوريون توهموا بالظن بأن الاستعمار , ان كان عثماني أو فرنسي أو بدوي , كان ذو منبع خارجي فقط , لذلك سعى السوريون لانهاء تواجد  الانتدابي الفرنسي , ونجحوا عام ١٩٤٦ في ذلك , بعد ذلك تبين لهم وجود استعمارا داخليا أشنع من الاستعمار الخارجي , وتبين لهم أيضا بأن حقبة ربع القرن الفرنسية , كانت , بالرغم من عيوبها العديدة , من أفضل الحقبات السورية بعد عام ١٩٢٢ وحتى قبل عام ١٩٢٢.
توهم السوريون بأنه أصبح لهم دولة , في الحقيقة كان مشروع دولة فقط , ولكنه مشروع بمواصفات جغرافية وبشرية جيدة, ومهيأ ليحقق قيام دولة حديثة قوية متماسكة , ولكن للأسف لم يعرف مشروع هذه الدولة في القرن الماضي سوى صيغة التراجع والتآكل والتردي , خاصة بعد عام ١٩٤٦ وعلى الأخص بعد عام ١٩٥٨ وعام ١٩٧٠ وحتى الآن , اذ وصلت سوريا الآن الى حالة غير متوقعة من التفكك والاندثار , السبب الرئيسي كان دائما التوهم والأوهام والتصورات الخاطئة والخطوات السيئة والسياسات البالية , فالقوى التي تحكمت في سوريا خاصة بعد عام ١٩٤٦ كانت قوى قومية عربية واسلامية عربية ( أممية), مهووسة بالانسجان في الماضي والتقوقع به ومحاولة بعثه من جديد .
,
التوهم هو أقصر الطرق الى الفشل , توهم السوريون بأنهم جزء من أمة عربية واحدة خالدة من المحيط الى الخليج ,وبأن الوحدة خلاصية , انها الحل على  نمط الاسلام هو الحل ,الوحدة جاهزة لأننا نحبها الى درجة العشق المراهق , وذلك بغض النظر عن الحاجة لها أو حتى امكانية تحقيقها , انها في القلوب المفتتنة بها , لاينقصها سوى اعلانها , انها بديهية تلقائية عفوية ومنطقية , هناك وحدة القلوب بين مورتانيا وقطر , هناك لغة واحدة بين السودان ولبنان , عادات وتقاليد مشتركة , حتى الأحلام اعتبرها السوريون مشتركة بين الجزائري والكويتي الخ
لم يدرك السوريون أو جهلوا طبيعة هذا التاريخ المشترك في الأربع عشر قرن الماضية , لقد كانت شراكة مستعمرات بمستعمر واحد , اقتصر التاريخ المشترك على كون سوريا ومصر واسبانيا وبلاد الفرس  وغيرهم  مستعمرات تحت سطوة الأمبراطورية العربية ومن بعدها الأمبراطورية العثمانية , مع عدم وجود فروق اساسية بين الأمبراطوريتين ,
لم تكن هناك وحدة نابعة من الداخل بين مراكش والدوحة , انما وحدة ادارة امبراطورية جزيرية غريبة عن المغرب وعن الدوحة , التوهم لم يسمح بادراك الفرق بين وحدة ادارة الشعوب والمناطق المحتلة , وبين وحدة هذه الشعوب النابعة من ذاتها , وليست المفروضة عليها من قبل مكة او انقره, الأمر بمجمله كان توهما والتباسا ,والوهم شمل الهدف والأسلوب والسبب .
لاتبرير لمساعي التوحيد بكون البلدان المعنية بالأمر كانت موحدة قبل عشرات القرون ,  لقد كانت موحدة ولم تكن واحدة , النفعية الشخصية كانت  المبرر الوحيد لمساعي التوحيد , الذي عليه أن يكون عملا عقلانيا مفيدا وليس عملا عاطفيا مراهقا ,عملية التوحيد معقدة , وعلى طرق واساليب التوحيد ان تكون علمية وناضجة , خبرة ١٩٥٨ بالوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا كانت خبرة بمنتهى السوء والفشل , ما بقي من التجربة المحبطة في الذاكرة الجمعية ليس سوى القنوط وخيبة الأمل ,الوحدويون كانوا بذلك أول من أساء للوحدة ومفهوم الوحدة , انتهت وحدة المراهقة والطيشنة . ونهايتها انهت التفكير الوحدوي الى أجل غير معروف

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *