سمير صادق:
١- لم يبد التراث الذي نعيش في ظله اهتماما ملموسا بالوطن الأرضي والوطنية , اذ لاوجود في الأدبيات الدينية مايستحق الذكر عن الوطن والوطنية , الاخونجية يرون في الدين وطنا , وفي ذاتهم المؤمن مواطنين , هذه اشكالية مفصلية في بناء الوطن والمواطنة في هذا العصر , الذي لامكان به لكيانات عتيقة ميتة من هذا النوع .
٢- تنكر الاخونجية للوطن والوطنية له اسبابه التي تتعلق بتنكرهم لكل ما هو جديد , ومفهوم الدولة والجمهورية هو مفهوم أوروبي جديد نسبيا , بالرغم من بلوغه حوالي 500 سنة من العمر , لا يزال لحد اليوم خاضعا الى أحكام التطور والتبلور , وهل تقبل الاخونج يوما ما فكرة جديدة أو منهجا جديدا؟؟.
٣-أكاد أجزم بأنه لاوجود لمفهوم المواطنة الأرضية في رؤوسهم , أي انهم بهذا الموقف يتوضعون خارج التاريخ , الذي يعرف ومنذ مئات السنين تشكيلا اسمه “الدولة” والوطن والمواطنة , وللتوضع خارج التاريخ تمظهرات وعواقب اضافية , هناك من يريد البقاء في التاريخ وصناعته , والأزمة الحياتية حتمية بينهم وبين خوارج التاريخ , اذ من الصعب التفاهم بين من يريد الانتحار تاريخيا وبين من يريد البقاء حيا في التاريخ , ولطالما لاتفاهم لذا لابد من الهيمنة عن طريق الاستبداد والاستعباد والاقصاء والاخضاع بالقوة , فمفاهيمهم تتعارض مع مفاهيم الديموقراطية الانتخابية , التي تفرز الحكم وتجعل من الحاكم خادما للشعب ومسؤولا أمام الشعب, الحاكم بمفهوم الاخونج السياسي خادم لله وموكلا من قبله ومسؤولا أمامه , ولا علاقة للشعب بكل ذلك .
٤-لايقتصر اغتصاب الاخونج لمفهوم الدولة وانما يشمل الفكر , والفكر يتميز عن المعرفة بكونه خلاق , أي أن مهمة الفكر الأساسية هي خلق أفق جديدة في الحياة , ومن المألوف أن تتميز هذه الأفق الجديدة عن القديمة , ومن المعروف أيضا بأن الاخونج لايرحبون بالجديد , لأنهم يعنبرون القديم صالح لكل زمان ومكان , هنا لامناص لهم من التكفير , ليس لأن الجديد سيئ وانما فقط لأن الجديد غير القديم …
٥-أليست فكرة العلمانية التي اكتسحت العالم جديرة بالبحث والتدقيق , أليس مفهوم الوطن والمواطنة والدولة والديموقراطية جديرة بالتفكير وحتى التطبيق !!! , انهم يتجاهلون عامل التطور في الحياة وبالتالي يتجاهلون الحياة بشكل كامل , فالحياة تطور , ومن يتجاهل الحياة تتجاهله الحياة أي يموت ويندثر على الأرض , افقهم في السماء , أفق غير مؤكد وتخيلي وغير مقنع الا للجهل المطلق…. اسطوري خرافي !.
٦- من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن تحتية الاخونج وخلفيتهم لاتقوى على التعامل مع شروط الحياة بتفاعل انناجي ايجابي , وهذا هو أحد أسباب تأخرهم , انهم يريدون التأخر عمدا وعن قناعة بفساد التقدم , و كلما كبرت الهوة الزمنية بين تصوراتهم القديمة وبين ماتقدمه الحياة من أفق جديدة , ازداد تأزمهم وازدادت غربتهم وازداد تعلقهم العبثي بصيغة الجماعة “الشخصية” والابتعاد عن صيغة الشخص “الاجتماعي “, أي أنهم لايتمكنون من صياغة منظومة المجتمع , وبالتالي ليس بامكانهم صياغة مشروع دولة ورعايته وتطويره كباقي دول العالم .
٧-لايزالون في مرحلة اعتبار الصفحات ال ٦٠٠ خاتمة الكتب ومصدر الحياة ومنظمها ومديرها ومبلورها , لايزالون في طور تبرير الاتكالية والترويج للقدرية والاعتماد على المؤامراتية في تفسير اصابتهم بالمصائب, بعدهم المتزايد عن الواقع حولهم الى انفصاميين , والانفصام عندهم لم يعد مرضا دخيلا مكتسبا وانما تحول الى “حالة” متعضية لاينفع في علاجها سوى البتر .
٨-نظرا لكون الآية هي التي تحدد شكل ومضمون فكرهم , والآية المسبوقة الصنع قبل 1400 لاتتمكن من ممارسة التداول الفكري حول قضايا لم تكن موجودة في ذلك الزمن , لذا يصاب أي تداول فكري معهم بسرعة بالافلاس, والافلاس يرغمهم على محاولة التخلص من محاورهم عن طريق اغتياله , لذا يتحولون الى الاقصاء وتدمير الآخر أخلاقيا ونفسيا , عن طريق الشتم والاستهزاء والانتقاص والتكفير والتشنيع والتهديد والخروج عن الموضوع , , أي أنهم يجنحون بسرعة الى الشخصنة المؤسسة على مفهوم الجماعة الشخصية , التي يفرضها استلابهم من قبل الدين , الذي تحول الى سلاحهم الوحيد والى محور حياتهم , والدين بطبيعته أمر شخصي , لايتمكن من التفاعل اجتماعيا وبالتالي لايمكنه خلق مجتمع أو رعاية مجتمع ولايمكنه تأسيس دولة أو رعاية دولة وذلك بعكس العلمانية التي هي أصلا منظومة اجتماعية .