مفيد بيطار:
قد يكون الاحتلال في سياق تاريخي معين حالة اعتيادية ومقبولة من قبل البعض , الا أنه بالرغم من ذلك , من غير الوجداني والأخلاقي مباركة هذه الأعمال في الوقت الحاضر , وحتى في الماضي ,من يؤيد احتلالات الماضي سيؤيدها في الحاضر , انظروا الى بيان الاخونج بخصوص احتلال تركيا للشمال السوري .
الشعوب التي مارست هذه الأعمال كانت في ذات السياق التاريخي شعوبا متدنية حضاريا وأخلاقيا, وهل كان بدو الجزيرة غير ذلك ؟؟؟ انه من المعروف على أن الهمجية قضت على العديد من الحضارات في الماضي , المغول ومحمد الفاتح ثم هولاكو والقبائل الجرمانية وغيرهم , تبرير تلك الأفعال حاليا يحمل في طياته استعدادا نفسيا لتكرارها , يمكنني تصور حالة العالم فيما لو امتلك العرب مقدرة عسكرية كالمقدرة الأمريكية, انه تصور مبرح ومرعب ,
لم تكن شكوى الأمازيغ أمرا غريبا , فكل الفئات التي خضعت للاحتلال والاستعمار شكت , عموما لايمكن توصيف حالة أم شحن عقبة بن نافع ابنتها العذراء الى الخليفة لنكاحها , والحالة تكررت عشرات الألوف من المرات , تعجز اللغة وتعجز الكلمة عن توصيف حالة من هذا النوع , ولهذه الحالة مشابهات , يمكن حصرها في مصنف سلب الارادة والاستغلال والاستبداد والتوحش , وهل يسعد مخلوق بشري او حتى حيواني باغتصاب من هذا النوع ؟؟؟وهل سأل المؤرخون العرب الشعوب التي احتل عقبة او بن نصير او ابن الوليد بلادها عن حالهم وعن بناتهم المسبيات وقتلاهم ؟؟؟
استعراض الأمر وتحليله وتفكيكه يقود الى اكتشاف أزمة أو خللا أخلاقيا عند العديد من أفراد خير أمة , فأكثر المفردات المستعملة من قبل خير أمة هي مفردات شجب الاستعمار وتحميل الاستعمار مسؤولية الفقر والمرض والتأخر , الاستعمار الغربي هو أساس كل شر والاستعمار العربي هو أساس كل خير ! هذه المسلكية وهذا اليقين كان نمطي في كل الحالات , كيف يمكن تقييم ذلك وبأي نتيجة ؟؟؟ ,
النتيجة الحتمية والمنطقية , هي وصم كل هذه المواقف الانحطاطية باللعار والنفاق , لقد كان ذلك العامل , الذي انتج تلك النظرة الاحتقارية للعرب في العالم , الغرب الاستعماري تظاهر من أجل الدارفوريين , ومعظم العرب انتفض للدفاع عن الجانجويد , وعن البشير المطلوب من قبل الانتربول بتهمة الاجرام …
انه فقر نفسي وافتقاد للمنظومة الأخلاقية ,من العار ارتكاب الفظائع ثم رفع الرؤوس للتبجح بخير أمة ,أمة الأخلاق والشيم الفاضلة , ننشد الأشعار لتمجيد القتلة , انها مشكلتنا عندما يكون أكبر سفاح عرفه التاريخ منا , فمنا الوليد ومنا الرشيد, الزاحف باتجاه بغداد ورأس خصمه مرفوع على رمحه , وصاحب أكبر كرخانة في التاريخ , وهو على فراش الموت أمر بتفصيل مناهضه (تفصيل يعني تقطيع ) ,
العرب بحاجة الى العديد من الثورات , آخر الثورات وأقلها أهمية وضرورة هي الثورات على الديكتاتوريات , أول الثورات , هي الثورة على الجهل والازدواجية والانحطاط الأخلاقي وعلى التهرب من المسؤولية ثم على الاتكالية والتطفلية وعلى مفهوم هذا ليس من الدين بشيئ ! ,لكن مالحل ؟ , أظن بأن هذه الأمراض المزمنة لم تعد قابلة للعلاج ومستعصية عليه , لا أمل سوى من خلال العجائب, التي لا أؤمن بها!