ليندا ابراهيم :
كل يقدم صورة رائعة عن بلاده و يضع اللوم وكل اللوم على ايادي خارجية، و ان الداخل لم يكن له دور فيما يحدث ، اللهم مجرد بيادق في يد الغرب الكافر او عملاء الصهيونية و الماسونية …مع ان القاتل منا و المقتول منا ؟؟؟!!!
انا برأي انها محاولة بائسة و ساذجة منهم لابراز و طنيتهم ، لكنها – و طنية – مشوبة بالجهل و ممزوجة بالتفاق ؟!
لانه يجد نفسه امام امرين اثنين لا ثالث لهما عندما يتحدث عن وطنيته مع احد غريب ….
اما أنه سينشر كل القذارات التي كانت موجودة في بلاده ، و بالتالي فهو نتاجها !!!!!!
أو أنه و مهما كان مظلوما لايسمح لنفسه ان يتكلم عن ظلم بلاده له مع احد غريب او في صحيفة أجنبية لأنه يعتبر ذلك خيانة للوطن…….؟؟؟!!!
هذه الطريقة في التفكير برأي تروج لها الديكتاتوريات العربية جميعا اذ تحاول اقناع مواطنيها بأن اهانتهم و اذلالهم هي مشاكل داخلية لا يجوز لهم مناقشتها خارج الوطن لكي يمنحهم لقب :
{{المواطن المليء و المنتفخ بالوطنية}}
و هو في نظر الديكتاتور العربي المواطن الذي يتم سحق آدميته في بلاده لكنه يرفض الحديث عن مأساته مع الأجانب……..
هذه الوطنية – الجاهلية. – تحول حب الوطن إلى عصبية قبلية عمياء كتلك التي عرفها العرب بعد الاسلام و التي لم تعرف الا المشاعر القبلية العشائرية ولا تعير أدنى اهتمام للحق والعدل، وهي لاتعرف الفرق بين النظام والدولة و تعتبر ان الوطن يتمثل في شخص الحاكم و حكومته وكل من يعارضهما يكون خائنا للوطن……؟؟؟!!! هذه الوطنية – الجاهلية – تتجلى الآن بوضوح في ردود الافعال العربية على الجرائم البشعة التي راح ضحيتها الكثير الكثير من المناضلين و الثوريين اصحاب الكلمة الجريئة والصوت الحر ….
ان الوطنية – الجاهلية – من الأسباب الرئيسية لتخلفنا لأنها تجعلنا نتواءم مع الاستبداد وتشوش أذهاننا بمشاعر وطنية في غير محلها…..
حيث اننا جميعا ننتفض غضبا تنديدا بجرائم الجيش الاسرائيلي والأمريكي في حق الفلسطينيين والعراقيين، لكن الجرائم التى يرتكبها الحكام العرب في حق شعوبهم تلقى استنكارا عربيا أقل بكثير من انتهاكات الجيوش الاجنبية…
بنفس المقياس الذي تعامل معه العالم الاسلامي مع الصور المسيئة للرسول بغضب عارم ، و بالمقابل الاكتفاء بجملة ” داعش لا تمثل الاسلام ” عندما قتلت وذبحت الاقليات و سبيت نسائها في بلداننا …؟؟؟!!!
مهما قتل الحاكم العربي واعتقل وعذب معارضيه سوف نجد من يدافع عنه. لازال الملايين منا يدافعون عن القذافي وصدام حسين و الأسد و غيرهم …و السبب في ذلك أن مفاهيم الاستقلال ورفض الاحتلال الأجنبي ، و المؤامرة الكونية على الاسلام و المسلمين أقوى في الذهن العربي بكثير من مفاهيم الوطنية و المواطنة و حقوق الانسان…؟؟؟!!!
أضف إلى ذلك خلط الكثيرين بين حب الوطن والولاء للزعيم……؟؟؟؟!!!!!!
هذه الجاهلية في الوطنية لن تجدها أبدا في الدول الديمقراطية، فالناس هناك يحبون بلادهم مثلنا لكنهم يؤمنون ان الوطنية يجب أن تكون في حدود العدل والحق، وهم لا يعتبرون الحاكم رمز الوطن وانما مجرد موظف عام. انهم يؤمنون ان الوطنية تستوجب فضح جرائم السلطة ومحاكمة مرتكبيها. نذكر هنا ان الذين فضحوا جرائم الجيش الأمريكي في معتقل أبوغريب كانوا صحفيين أمريكيين ولم يتهمهم أحد بالخيانة بل نالوا تقديرا واسعا من الأميريكيين لشجاعتهم ودفاعهم عن الحق.
في عام 1906 عندما حدثت واقعة – دنشواى – التي أعدم خلالها الجيش البريطاني بعض الفلاحين المصريين ظلماً فانتفض الكاتب البريطاني الساخر
” جورج برنارد شو ” منددا بظلم الجيش البريطاني قائلاً :
” إذا كانت هذه الأخلاق التي ستحكم بها بريطانيا العالم فلا يوجد واجب انساني أهم من هزيمة بريطانيا حتى تتوقف عن الظلم والقمع” ……..
فكم كاتبا عربيا يستطيع أن يتحدث عن بلاده اذا ظلمت الآخرين مثل جورج برنارد شو وكم صحفيا عربيا يستطيع أن يفضح جرائم جيش بلاده وهل سيتقبل الري العام ذلك باعتباره عملا وطنيا أم سيتهمه بخيانة الوطن…؟؟؟!!!
ان تخلفنا في كل المجالات يرجع بالأساس إلى الاستبداد هذا الاستبداد الذي لا اعتبره مسئولية الديكتاتور وحده..؟! وانما مسؤوليتنا نحن أيضاً، لأننا نحمل ثقافة تجعلنا أكثر قابلية للاستبداد وأكثر قبولا له من شعوب أخرى……….. يستحيل أن نتقدم الا اذ تخلصنا من الاستبداد، ولن نتخلص منه الا اذا أدركنا أن دفاعنا عن جرائم الديكتاتور لا يجعلنا وطنيين أبدا وانما يجعلنا شركاء في الجريمة. ان الوطنية الحقيقية لا يمكن أن نمارسها الا في اطار القيم الانسانية وهي التي تدفعنا للدفاع عن المظلومين وضحايا الانتهاكات وتجعلنا نلاحق كل من يرتكب جريمة مهما يكن منصبه…….
ان انتماءنا للانسانية أهم بكثير من أي انتماء آخر كما أن التزامنا الأخلاقي نحو الآخرين هو فقط ما يجعلنا جديرين بالانسانية ويفتح لنا الطريق الى نهضة حقيقية ، و الارتقاء بانسانيتنا .
” روبـرت فـيـسـك ” و هو مراسل صحيفة ” الأندبندنت ” البريطانية في الشرق الأوسط تحدث بدقة متناهية عن مـفـهـوم الـحـكـومـة والـوطـن فـي الـعـالـم العربي قائلاً : أتعلمون لماذا بيوت العرب في غاية النَّظافة، بينما شوارعهم على النَّقيض من ذلك ؟!
السببُ انهم يشعرون بانهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنَّهم يملكون أوطانهم!!!!!
هذا برأيه يرجع إلى سببين:
الأوَّل :
أنَّهم يخلطُون بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة، فيعتبرونها واحداً، وهذه مصيبة بحدِّ ذاتها…؟؟؟!!!
فالحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عمر الوطن، ولا حكومة تبقى للأبد .. بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي ضمَّ عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، هو الفكر والكتب، والعادات والتقاليد.
لهذا من حقِّ كل إنسان أن يكره الحكومة ولكن ليس من حقِّه أن يكره الوطن!
والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن هو أن نعتقد أنَّنا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن …؟؟؟؟!!!!
وكأنَّ الوطن للحكومة وليس لنا!
ما علاقة الحكومة بالشارع الذي أمشي فيه أنا وأنتَ، وبالجامعة التي يتعلم فيها إبني وإبنكَ، وبالمستشفى التي تتعالج فيها زوجتي وزوجتكَ، الأشياء ليست مِلك مَن يديرها وإنَّما مِلك مَن يستخدمها!
نحن في الحقيقة ننتقمُ من الوطن وليس من الحكومة، الحكومات تُعاقبُ بطريقة أُخرى لو كنَّا نحبُّ الوطن فعلاً!
الثَّاني:
أنَّ ثقافة الملكيَّة العامًَّة معدومة لديهم، حتى لنبدو أنَّهم يعانون إنفصاماً ما .. فالذي يحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي يوسِّخ المرحاض العام .. والذي يحافظ على الطاولة في البيت هو نفسه الذي يحفر إسمه على مقعد المدرسة والجامعة .. والأبُّ الذي يريد من إبنه أن يحافظ على النِّظام في البيت هو نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بإنتظار دوره .. والأُمُّ التي لا ترضى أن تُفوِّت إبنتها محاضرة واحدة هي نفسها التي تهربُ من الدوام!
خلاصة القول:
الحكومة ليست الوطن شئنا هذا أَم أبَينا، ومشاكلنا مع الحكومة لا يحلُّها تخريب الوطن .. إنَّ الشعب الذي ينتقم من وطنه لأنَّ حكومته سيئة لا يستحقُّ حكومة أفضل!
ورُقيِّنا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا وإنَّما بنظافة الحديقة العامَّة بعد جلوسنا فيها!
لو تأمَّلوا حالهم لوجدوا أنَّهم أعداء أنفسهم، وأنَّه لا أحد يسيء لأوطانهم بقدر ما يفعلون ذلك هم انفسهم!!!!!!
الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون محترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أُناسٍ محترمين لتكون نظيفة!