ممدوح بيطار :
تمثل سوريا سايكس-بيكو بنظرهم جيفة وابنة عاهرة لابد من التخلص منها واقامة دولة عربية او اخونجية أو اعادة احياء الخلافة , ولدت هذه الثلاثية في أعقاب الحرب العالمية الأولى بالتدرج , وتقاسم العروبيون مع الاخونج , الذين ارادو اقامة دولة الخلافة بعد عام 1928 , أو بالأحرى عملية التأثير على تطور سوريا بالاتجاه الذي يناسبهم .
بعد قرن كامل فشلت سوريا بالكامل , فشل سوريا يعود الى العديد من الأسباب , التي منها ومن أهمها اغتراب العروبيون والاخونج بما فيهم المتعثمنون عن هدف ترسيخ الدولة السورية القطرية , هدفهم كان عابرا لحدود سايكس-بيكو ومتوجها الىى اقامة دولة الخلافة او دولة عربية ,وجهودهم انصبت في هذه الاتجاهات اللاسورية , فشلوا في الوصول الى أهدافهم الخلافية -العروبية وفشلت سوريا بسبب اهمالهم ورفضهم لها ومحاربتها ,تحول هؤلاء الى مشردين وطنيا , فلا خلافة ولا دولة عربية .
الثقة بالعروبيين وبالأصولية وبالمتعثمنين كاانت خطأ كلف البلاد وجودها , السماح بتكرار الخطأ هو عبارة مشاركة بارتكابه , القضاء المبرم على سوريا وما بقي منها من أشلاء ليس من مصلحة سوريا والسوريين , ارتبطت الوطنية حتى بداية القرن العشرين بالدين كوطن , لذلك كان من الصعب على التيارات الدينية , التي هي بحكم الواقع اخونجية أن تعتبر الخلافة العثمانية خلافة مغتصبة , خاصة وان الخلافة العثمانية كانت حقيقة استمرارا مسلكيا للخلافة العربية الحجازية , العنصر شبه الوحيد الذي اهتم به الاخوان كان الفتوحات , والخلافة العثمانية أثبتت الكثير من الجدارة في موضوع الفتوحات , لذلك تحولت هذه الخلافة الى الأب الشرعي الروحي للاخونج , ينحصر جوهر الأب الروحي في مجتمع ابوي بالطاعة المطلقة والانصياع المطلق , الذي تجلى في أواخر الخلافة العثمانية بمدأ الاستكانة لهذه الخلافة , الاستكانة هي الأمر الصحيح والحقيقي وما غير ذلك هو تمرد تفتيتي للكيان الكبير الذي مثلته الخلافة العثمانية .
بهذه الواجهة الدينية ألشرعية فرض العثمانيون أنفسهم على شعوب المستعمرات التي كانت سوريا أحدهم , لقد مجدت فئات من شعوب المستعمرات الوجود العثمني بناء على ” الأخوية ” في المعتقد , وبناء على نجاح العثمانيين في موضوع الفتوحات خاصة في البلقان , الفتح والاحتلال كان جوهر ديني أساسي وضمان لاستمرارية واردات غنائم الحرب , التي أمنت للفاتحين حياة رغيدة , الا أن شعوب بلاد الشام لم تحظ بشيئ من الرغد بسبب الغنائم التي اقتسمها المحاربون مع الخلافة بنسب معروفة , عاشت الشعوب في فقر مدقع بانتظار الفرج الذي لم يأت ,وخلال قرون أربعة لم يحركوا ساكنا خوفا من البطش العثماني ,وبسبب التزامهم المعتقدي الايماني بالطاعة والانصياع , لقد كان من الممكن تمديد انتظار الأمل بالفرج الى أمدغير محدود .
تلاؤما مع النظرة للوجود العثماني , على أنه رعاية خلافية مقدسة , أطلقت شعوب المنطقة على الوجود العسكري العثماني اسم “الحامية العثمانية “وليس جيش الاحتلال العثماني, اضافة الى ذلك شارك الفكر المقتصر على الفقه والأمور الدينية في الترويج للهيمنة او الاحتلال العثماني مثلا الشيخ محمدعبده الذي وصف الاحتلال العثماني بأن المحافظ على سلطان الدين والمحافظة عليه يعتبر ثالث العقائد بعد الايمان بالله ورسوله .
بهذه الواجهة الشرعية فرض الأتراك العثمانيون أنفسهم على العرب,الذين اعتبروهم أصحاب أياد بيضاء في رفع شأن الدين في أوربا ونشره في العديد من البلدان,لدرجة أن الأفراح والزينات كانت تقام في العديد من العواصم العربية عقب كل انتصار أحرزه العثمانيون,وكان المؤمنون في شتى البلدان يعتبرون السلطان العثماني خليفة للرسول , والأب الروحي للمؤمنين يجب عليهم طاعته.
لتعثمن البعض في سوريا حذور مذهبية ,لم ينتقل هؤلاء من مفهوم الوطن في الدين , الى مفهوم الدين في الوطن ,لهذا الادراك المشوه العديد من المسببات , التي لايمكن ازالتها سوى بالبرهنة عن جدارة الوطن في القيام بواجباته تجاه الفرد , الذي يتحول في حالة الوطن الى مواطن , فشل الوطن في انتاج المواطن وبالتالي المواطنة هو الطريق لانتاج المؤمن وكيان الايمان أي الدولة الدينية .
