من حبعش الى داعش ومن الجمهورية الى الجملوكية !
خرج علينا الفكر القومي بعد الاستقلال الأول والاستقلال الثاني بمفاهيم جديدة, ففي أواخر عشرينات القرن الماضي كان هناك الفكر السوري القومي , وفي أواخر اربعينات القرن الماضي كان هناك الفكر القومي العربي المتمثل بحزب البعث العربي الاشتراكي ( حبعش ) ,لقد كان الفكر القومي السوري عميقا ومتمثلا بصانع هذا الفكر أنطون سعادة ,اما الفكر القومي العربي المتمثل بشخوص عفلق والأرسوزي , فقد كان مسطحا وممثلا لعفلق والأرسوزي ومقدراتهم الفكرية مقارنة مع سعادة , لم يتورط سعادة بشعارات الاشتراكية , لأنه كان على دراية بالأمر وعلى دراية بكون المجتمعات السورية لاتزال في طور المجتمعات الزراعية في أحسن الأحوال , وماهي علاقة الاشتراكية بالمجتمع الزراعي ؟ , الاشتراكية هي مرحلة مابعد الرأسمالية , والمجتمع السوري لم يكن مجتمعا صناعيا أو رأسماليا , انما قبليا زراعيا ,
حبعش كان شعبوي جدا , ونظرا لشعبويته نجح في لملمة العديد من العرب والسوريين حوله ,عن طريق دغدغة مشاعرهم وتليينهم بالبرطيل, وكسب تأييدهم بعدة طرق منها توزيع أراضي الاقطاع , دون التفكير بتطور الانتاج الزراعي الكارثي بالنسبة للدولة , اذ أن تفتيت الملكيات قاد الى تفتيت الانتاج و ضموره , لقد ربح الفلاحون الأرض , وخسرت البلاد الانتاج الزراعي , لم يكتف حبعش بذلك وانما تفاعل مع البدايات الصناعية كالشركة الخماسية بنفس الأسلوب تقريبا , فبدلا من توزيع الأراضي كان هناك التأميم للشركة الخماسية وغيرها , وذلك على أساس الاعتبار الخاطئ بوجود طبقة عاملة صناعية في البلاد, واقعيا لم تكن هناك طبقة صناعية كادحة بالمعنى الماركسي الا في التصورات , ولو كان بامكان ماركس النهوض من القبر والتعرف على هذه الطبقة العمالية لكفر بماركس أو انتحر , أو عاد الى القبر طوعا .
في سياق التقرب الشعبوي من الناس , كان هناك مايمكن تسميته استهلاك الفكر القومي من قبل حبعش , وذلك عن طريق التبشير بعودة العرب الى التمكن من بسط سلطانهم حيث وصلت سيوفهم, على الجوار القريب والبعيد أيضا, كما كان الحال قبل 1400 سنة , ولتجنب المساءلة في حالة الفشل المتوقع , تم ربط الفشل مسبقا باسرائيل والغرب والمؤامرة ,اسرائيل مسؤولة عنها ان أمطرت أم لم تمطر أو جفت , اسرائيل والغرب هم المسبب لكل مصائب العرب , لم يسأل العرب أنفسهم عن مسؤوليتهم , وعن جديتهم بالعمل , وتقيدهم بالقانون ثم احترامهم للشفافية وعزوفهم عن الافساد المتبادل مع السلاطين !! .
في هذا السياق , انشغل حبعش باجترار الاستقلالات وتكاثرها , التي بلغت لدى الحبعوش حافظ الأسد على الأقل أربعة استقلالات ….زيادة الخير خير !! , وكلما ذج الأسد منافسا له في السجن حقق استقلالا مبهرا , فما سمي حركة تصحيحية , كانت استقلالا مميزا اي الاستقلال الثالث على التوالي , وذلك بالرغم من اقتصار هذه الحركة الميمونة على رمي الجنرال جديد في السجن حتى الموت , واغتيال جنرال النجوم الأربعه عمران قبل ذلك في طرابلس /لبنان !
أبدعت اشتراكية الأسد , عن طريق تحول هذه الاشتراكية الى استغلال ونهب للبلاد والعباد , وفي أوج قوة حبعش سيطر الحبعشيون على جمهوريتين هم سوريا والعراق , وبعد السيطرة بفترة قصيرة بان أفق البلاد الديناميكي المنير بشكل واضح , خاصة بعد ارتقاء صدام حسين لعرش الرئاسة , هنا انكشفت بعض معالم امبراطوريات جديدة , واحدة لصدام وأخرى لحافظ , ثم ظهرت بوادر التوريث , وبذلك بدأ تحول الجمهوريات الى جملوكيات , امبراطورية صدام لم تعد جمهورية ولم تتحول الى ملكية كلاسيكية , انها الاثنين معا , وأمبراطورية الأسد تطورت على نفس النسق , فلا هي جمهورية, ولم تتحول الى ملكية كلاسيكية , انها الاثنين معا أيضا , هنا ابتكر الخالدون نظاما عالميا جديدا للحكم , انه نظام “مابين بين”, أو نظام الجملوكية كما سماها المنصف المرزوقي .
لكي يصبح الشعب جديرا بالفلسفة الحبعشية وقادتها الخالدين , كان لابد من شعب جديد , القائد خالد لذلك لايمكن انتخابه ولا ضرورة لانتخابه من قبل الشعب , هنا كان عليه انتخاب الشعب الذي يريد, فبالغصب والقسر يجب على الكردي والسرياني والآشوري والايزيدي وكل من لم تسبق مفردة “عربي” اسمه , انشاد أناشيد الفخر والاعتزاز بالعروبة تحت قيادة القائد الى الأبد صدام المنحدر من نسل النبي عليه أشرف الصلواة , في سوريا كان الوضع من ناحية مبدئية مشابه , حيث انحدر الورع الأسد من نسل الامام علي كرم الله وجهه وقدس سره .
لقد ضمن حبعش في العراق و سوريا أمر العروبة والتعريب , وتحويل حبعش الى سلطان أو فرعون عقائدي تحت امرة العائلات المالكة جملوكيا , الأمر استلزم غطاءا دستوريا , فالجملوكية مدمنة على الدستورية واحترام القانونية , طبعا بالجلوس فوقها , لاصعوبة عند من ابتكر مفهوم الجملوكية وطبقه بنجاح مبهر من ايجاد الصيفة الصحيحة في هذا الخصوص , والتي تسمح لحبعش والحبعوش القائد من التفاني في خدمة الوطن , هنا كان الحل على يد المادة الثامنة , ولا ضرورة لشرح مناقب المادة الثامنة , فهي أشهر من نار على علم .
وماذا عن العقيدة الدينية وبعث صدر الاسلام بمكارمه وانسانيته وسماحته من جديد !!! , هنا دخلت داعش الشراكة مع حبعش , كانت داعش دين طبق ونشر كلام الله خاصة على المستوى الروحاني والتذبيحي , أما حبعش فقد حرص على الدنيا, وهكذا اكتملت الدولة دينا ودنيا , وأصبحت المادة الثامنة عبارة عن تكثيف أو ترجمة لمفهوم ادارة التوحش , فادارة التوحش كما وصفها المجاهد أبو بكر ناجي كاتب الكتاب المذكور , ليست الا شرحا مفصلا لما تعنيه المادة الثامنة في الجملوكية العراقية والجملوكية السورية .
اكتمل بداعش وحبعش دين ودنيا الأعراب خاصة في العراق وسوريا , لذلك لاخوف عليهم ولا هم يحزنون !!! , فالقادة خلفاء , والجملوكية خلافة , ويدا بيد تمكن داعش مع حبعش من بعث الأمة العربية من جديد ,أمة لاتشوبها شائبة كردية أو آشورية أو غير ذلك ,أمة عربية صافية وذات رسالة خالدة , وماذا تريدون أكثر من ذلك ؟؟؟