وفر النظام افضل ارضية لتورم النزاع وتطوره الى اشكال قضت على البلاد , وانتهت بشكل غير مسبوق من الطائفية المدمرة والمتواجدة منذ العديد من القرون بشكل كامن.
استيقظت الطائفية من كمونها , واطلق عليها زورا اسم صحوة , رعاها القرضاوي ووجدي غنيم والحسون المغرد والنابلسي والسباعي وغيرهم , كلهم كانوا شغوفون بالعنف والقتل والجهاد, وكلهم قتلوا وأمعنوا في القتل والتهديم , كلهم فشلوا في امتحان الوطنية ليس هذا فحسب , كلهم برهنوا على عدائهم لسوريا الدولة-الوطن وبشكل غير مسبوق تاريخيا , حتى خالد ابن الوليد وزميله هولاكو لم يفعلوا بسوريا كما فعلت كتائب الأسد بالشراكة مع الفصائل الاصولية المقاتلة بها .
لايمكن أن يكون كل ذلك بدون عواقب, ومن هذه العواقب استدعاء الاغر اب , ومنها تقسيم السوريين طائفيا ورسم حدود مذهبية بين فئاتهم , قدوم الأغراب الى سوريا في هذه الحالة كان من البديهيات , فكل اقتتال داخلي يقود الى تدخل خارجي , والتاريخ لايعرف استثناء لهذه القاعدة , قاد الاقتتال الداخلي , بدون اي موجب موضوعي , الى فضح المقتتلين وتعريتهم , أفلس الاخونج وفراخه وأفلس البعث والأسدية , ولم يعد لهم اي رصيد شعبي طوعي , يفرضون وجودهم بالرصاصة والمدفع والامتيازات والاستزلام لا أكثر ولا أقل.
تأثر مكانة الدين سلبيا كان من نتائج محنة الصحوة , وحتى الحديث عن الجنة وجهنم والقيم الدينية والايمان والغيب والاعجاز …الخ تحول الى نوع من الثرثرة التهريجية , التي حاول المهرجون اضفاء شيئا من الجدية عليها , بواسطة تمظهرات التدين , الذي تحول الى تدين شكلي , الذي مثل النزاع الأخير قبل الموت, , لقد تمت البرهنة عن خداع شعار الاخونج الدين هو الحل , ثم خداع شعار الأسدية هي الحل , لابل تمت البرهنة عن أكثر من ذلك , تمت البرهنة على أن أعداء هذا الشعب هم من صلب هذا الشعب , الذي تآمر على نفسه وحارب وجوده وانتهى الأمر به الى اغتيال الدولة , التي تمثل شرعية وقالب هذا الوجود.
استنزف الحديث عن المؤامرة الخارجية كل مفردات اللغة الخشبية , وتحول الى نعيق نشاذ , لاتفاعل معه ولا انشغال به , انما تجاهله , في الوقت الذي برهن به المقتتلون من الجهتين عن كونهم قتلة مجرمين , لم تعد الآذان تسمع اتهام جهة لجهة أخرى بممارسة البربرية , كلهم كانوا برابرة بامتياز.
اكل جراد النزاعات الطائفية الأخضر واليابس ,ووقف الشعب امام الموت من أجل عقيدة مارست الترغيب والترهيب عن طريق الجنة وجهنم , عقيدة منحت المقتتلين صك قتل الهي مشروع , الشعب المتحضر والرافض للاقتتال دفع ثمن ممارسة هواية العنف من قبل حملة البندقية والمدفع , بالرغم من كل ماقيل عن الجهاد والثورة والشرعية كتبرير لأعمال القتل , تحول شركاء التقتيل عمليا الى شركاء في الاجرام .
تكمن سخرية الزمن السوري بكونها منحت النظام كينونة وديمومة لا تستقيم مع قواعد المنطق , فكيف يمكن لتظام من هذا النوع أن يعمر نصف قرن من الزمن ؟ سخرية الزمن سمحت بالمقابل لفئات اخونجية اجرامية محاربة بانتحال اسم ثورة , لايعرف التاريخ عملية غش واحتيال كما حدث في سوريا , لقد قذروا مفهوم الثورة وعكسوه الى اجرام , الى الوراء والى الانحطاط , فالانحطاط لم يكن يوما ما ثورة .
تتواجد سخرية الزمن على أواخرها , لايغركم صراخ الله أكبر او صراخ لبيك ياحسين ثم اللطم ونزيف الدم أو صراخ معك معك .. الخ كل ذلك معاوضة منتظرة قبل الموت النهائي لأشرار البلاد , لقد ماتوا انتحارا وتآكلا , اقتتلوا وقتلوا بعضهم البعض واستنزفوا دماء بعضهم البعض , بانتحارهم فعلوا حسنا !.