ممدوح بيطار :
ليس قهر الانسان حكرا على مواخير المعتقلات والسجون فحسب , انما , والأبشع من ذلك, هو اعتقال عقله , وبالتالي تحويله الى كائن خرافي غيبي , الى حيوان متدين عاجز قاصر غير قادر على التصدي الى اشكاليات الحياة بعقلية علمية منهجية موضوعية , يتحول الانسان هنا من قائد الى منقاد , من فاعل الى منفعل ,من مخدوم الى خادم للمقدسات وللايمان , الذي أجهز على عقله وحوله الى العطالة , ويبدو وكأن هناك من يستفيد من ذلك , فالاستبداد مثلا يستفيد من كون الانسان ضعيف منصاع مطيع لا يتمرد . .
نتيجة لذلك لم تعرف القرون الأربع عشر الأخيرة اي ثورة شعبية , امتص الخلاف حول الشخص كل القدرات الاعتراضية التمردية الثورية عند الانسان ذو العقل المعاق , العقل ثوري بطبيعته وميال الى التطوير والتجديد ورفض السكونة والاستكانة,
زودوا الانسان بالايمان , الذي لامهمة له سوى شل العقل , وبالتالي تأهيله للتعصب الذي دمر العقل , منعوا الحرية عن الانسان , وبالتالي اعاقوا تحوله الى مواطن حر ايجابي , وبقي نتيجة لذلك خرافي سلبي , بقاء الانسان بهذا الشكل أو تحول الانسان الى هذا الشكل , كان بفعل العديد من العوامل والمؤثرات , منها ومن أهمها كان تأثير رجال الدين , الذين ضربوا النسيج الاجتماعي الصحيح والقويم في الصميم , ومارسوا الترقيع والتقية , قمعوا الفكر وحرية الرأي , اغتالوا النقد وحريات الانسان بحجج خرافية , لاتصب سوى في مصلحة الاستبداد , رجال الدين هم المؤسس لتنكص الانسان الى حالة القدرية والاتكالية والخنوع والاستسلام للطغيان , انهم أساس الجمود والتخلف , فالاستبداد ديني بالدرجة الأولى , والمفاهيم الدينية هي الرحم الذي تولد منه مفاهيم الاستبداد السياسي , الذي حول الانسان الى كائنا مستلبا مقهورا عاجزا ,
يقوم الخطاب الديني على تسويق نفسه بأنه ممتلك للحقيقة المطلقة , وهذا يعني الفوقية وبالتالي استصغار واحتقاره , وعند التمكن لايكتفي بالتحقير , انما يتطور الى التكفير وبالتالي التخوين , الذي يعني العنف والحرب وهدر الدماء .
لايقتصر الاحتكار على الحقيقة , انما يشمل وسائل الانتاج المعرفي , وهذا يقود حتما الى المنع والمصادرة والاقصاء , نلاحظ حتى في نقاشاتنا اليومية كيف تحولت المصادرة والمنع الى خصائص متجذرة في اعماق بعض النفوس , لاوجود لمناسبة الا ويطالب المؤمنون بها بالمنع والحذف والاقصاء , بحجج هلامية كالحقد وازدراء المعتقد واهانة مليون ونصف المليون من البشر , ولو افترضنا جدلا بأن الغير حاقد وكاره , أليس من الواجب تجاه الذات أن يسأل هؤلاء أنفسهم , لماذا يحقد الغير عليهم ويكرههم ويزدري عقائدهم ؟, أليس من الممكن للجواب أن يساعدهم على فهم أفضل للوضع , ثم تطوير انفسهم بشكل لايسمح بالحقد عليهم وكرههم وازدراء معتقداتهم .
لقد التبس على الاخونج فهم الانسان وارادته وأهدافه , يبحث الانسان المقهور عن ملاذا له , والبعض وجد هذا الملاذ في التوجهات الغيبية السماوية , التي ترغبه وترهبه وبالتالي يستسلم لها , تجمده وتستلب فكره وعقله وتزوده بنمطيات فكرية خرافية , مثلا نمطية التأخر وعلاقته بخروج المرأة دون حجاب ,نمطية تبرير التأخر بالابتعاد عن المعتقد الغيبي , نمطية تبرير الفتوحات , قال لوبون العرب هم من أرحم الفاتحين , مقولة تتضمن الضدية في ذاتها … كيف فاتح سارق قاتل ثم رحيم !! , نمطية نفي ابادة الغير بالقول لو كانت هناك ابادة لما بقي منكم من واحدا يدب على الأرض , نمطية البرهنة عن أمر ما من خلال النص الممثل للحقيقة المطلقة , النص يبرهن ذاتيا عن صحة نفسه , كلام الله صحيح لأنه كلام الله , السؤال عن البرهان على ماقاله الله في كتابه العزيز ممنوع , نمطية الترديد الغوبلزي لعبارات تؤكد للانسان يوميا عشرات المرات عدم امتلاكه للارادة والمقدرة , ثم ضرورة الاتكالية … انشاء الله , هذا من نعم ربي , على الله الاتكال …قضاء وقدر .., كل ذلك يقزم الانسان , الذي يتحول الى العوبة منصاعة مطيعة بيد رجال الدين, لامجال لهذا الانسان ان يعبر عن نفسه , مأمور ومنفذ للأوامر, وزاهد في الدنيا , التي يرى ضرورة مبارحتها في أقرب مناسبة ممكنة , كمجاهد شهيد , يمكنني تصور اغراء الوعود التي تنهال على المرشح لمرتبة المؤمن الشهيد , وكيف تحاط الضحية بسور من أكاذيب الترغيب والترهيب , بحيث لايعد للضحية من مهرب الا نادرا .
في هذه الحالة , يتم استغلال حاجة الانسان لملاذ ينقذه من القهر الذي ألم به , وفي هذه الحالة يتم , ليس فقط قهره بدرجة أعظم , انما اغتياله وقتله بعد ابتزازه بالترهيب والترغيب والولاء والبراء ثم الزهد في الدنيا ثم فوائد الجهاد والموت , الذي يسمح له بالانتقال الى تلفيقة الحياة الأخرى , حياة الرغد والمتعة والخمر والنسوان البكر .
لايمكن التعايش مع الاخونج بأي شكل كان , خاصة في اطار الوطن , لأنهم يرفضون حتى مفهوم الوطن , ويكفرون مفهوم الموا طنة , لمجرد كون الآخر ليس منهم فهو عدوهم وعليهم محاربته وقتله , الحياة معهم حياة حرب لاتتوقف الا بنتيجة اما قاتل أو مقتول …الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا !!, وكيف يتم الجهاد في سبيل الله , ولماذا الجهاد والى متى ؟, لذلك لاوجود لسلم اجتماعي معهم , لأنهم يفقدون بوجوده مبررات وجودهم , باختصار يريدون تجريد الانسان من ذاته ونفسه , وتحويله حسب ماتمليه عليهم امراضهم النفسية الى اداة تخريب وقتل واغتيال وتأخر , عندما تخلو الخلفية الفكرية من الديموقراطية تصبح تلقائيا ديكتاتورية , هل في خلفيتهم الفكرية اي ديموقراطية ؟؟