ميرا البيطار ,ن. عبود:
  قامت   الدولة   السورية   قبل حوالي  مئة  عام   على أسس   المجتمع  الأبوي التقليدي   ,  الممثل لمزيج  من   القومية  والمذهبية   اضافة  الى  العشائرية  والعائلية ,  دولة  تقوم على   هذا  الاساس  تكون  عادة  هشة  وغير متماسكة ,مما  يعرضها  للانفراط , وبالتالي الاندثار  .
الدولة الأبوية أميرية أو خلافية الخ ,لها الأمير أو ولي الأمر أو الخليفة , الذي بيده الحل والربط كما هو الحال في الأسرة البطريركية الأبوبة , هنا على رب الأسرة أن يكون ربا يحدد مسلكية الأسرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا , ورب الأسرة في الدولة هو أب الجميع وراعي الرعية , وبما أنه بتلك الميزات , فلا بد من الامتثال لأوامره مهما كانت , أي أنه بذلك عبارة عن ديكتاتور شرعي , وما على الرعية الا تبجيله وامتداحه لخدماته ومكرماته وخيره , أنه لايمثل الشر بأي حالة كانت , انه الخير المطلق والحاكم الحق , لذلك فهو غير معرض للنقد …انه الله على الأرض .
للدولة الأبوية معالم لاتستقيم مع علم الاجتماع السياسي فالهياكل الحزبية تستثمر وفق عقلية أبوية تسلطية مطلقة , فرئيس الجمهورية هو الخليفة الآمر الناهي وبيده السلطة الزمنية كاملة, هو رأس الهرم ومرضه يمثل مرض الهرم من قاعدته الى قمته ,في هذه الدولة ذات النظام الأبوي لاوجود للمؤسسات , التي تدير شؤون الدولة في غياب القمة مرضيا أو لسبب آخر , والامثلة التي سأقدمها توضح بعض جوانب اشكالية الدولة الأبوية في هذا العصر .
أصيب حافظ الاسد بالمرض , وهكذا تكونت عند من يعتبر نفسه وريثا , أي عند أخيه رفعت الأسد قناعة بأن الارث أصبح قاب قوسين أو ادنى .
الرئيس المريض تعافى , وبعد تعافيه من المرض شرع فورا بترتيب صفقة تتضمن خروج الوريث قسرا الى المنفى مع كل مايرغب به من مال , يقال بأن المبلغ الذي احتوته حقائب الوريث تجاوزت ثلاثة مليارات دولار , ولأن هذا المبلغ الزهيد غير متوفر في بيت المال , كان من الضروري استدانته من القذافي , الذي لم يتوان عن مساعدة زميله في الرئاسة , وهكذا حمل رفعت الأسد الأموال ورحل .
كيف يمكن فهم وتقييم هذه الصفقة , التي تمت بعد أن دفع كل فرد سوري لرفعت الأسد مبلغا محترما في تلك الأيام , فالمليارات كانت ديون على الشعب السوري , هل يمكن فهم ذلك في أطار أي مفهوم سياسي أو قانوني , وهل يستقيم ذلك في اطار أي عقد اجتماعي أو وجود دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
لايستقيم ذلك الا مع منظومة الدولة الأبوية , التي لاتأبه لشيئ الا لارادة رأسها , وهكذا استزف رفعت الأسد بصفقة واحدة مايعادل نصف ميزانية البلاد , هنا ليسمح القارئ لي بسؤال بسيط , هل توظيف هذه الأموال في تنمية البلاد أسوء من اعطائها لرفعت الأسد ؟
لقد تعرفنا في ثمانينات القرن الماضي على العنف الأصولي , وقصة حماه كانت على درجة كبيرة من الدلالات , لقد أظهرت هذه الحادثة وجود خللا في بنية وتركيبة المجتمع السوري, الذي لم يتطور كما كان عليه أن يتطور , تطور المجتمع لم يصل الى حد تقبل هذا المجتمع لعقد اجتماعي يضع سوريا على طريق التقدم والازهار ,فبعد حوادث حماه رأى الأب الراعي ورأس دولة الرعية ضرورة اقامة مئات من مدارس تحفيظ الكتاب عام 1985 ,كنوع من التقرب للاخوان , فمن درس حماه تعلم الراعي ضرورة اقامة مدارس التحفيظ , وبذلك وضع حجر الأساس لحماه أخرى , المكلف باقامة مدارس التحفيظ على أساس الحنبلية آنذاك كان الشيخ عبد الله علوش والد زهران علوش , الذي أسس في الغوطة جيشا جهاديا , كانت نهايته شبيهة بحماه ,هنا يكمن سؤال عن سر محير , هل الدرس من كارثة حماه كان التحضير لكوارث شبيهة بحماه , !!هل كان لقراراقامة مدارس التحفيظ أي علاقة بفكر مؤسساتي استشاري مدروس ,أو أن الأمر بكامله كان نتيجة “نزوة ” من نزوات الراعي؟
السؤال الذي طرح من قبل العديد من السوريين بخصوص مدارس التحفيظ , كان عن الهف من هذه المدارس وعن قيمتها التربوية والعلمية التعليمية , وهل كثرة هذه المدارس دليل على تكريس التقدم , وهل اقامة هذه المدارس من مصلحة الوطن السوري ؟ وما هي علاقة اقامة هذه المدارس مع مصلحة الأب راعي الرعية ؟؟؟؟
طبعا ظن النزواتي بوجود علاقة تقاطعية بين مصلحته الشخصية وبين اقامة هذه المدارس , وماذا عن البلاد ؟؟ هذا السؤال لايسأل , الراعي يرعى الرعية حسب مزاجه المعبر عن مايظن بأنه من مصلحته ,ولا فرق بين مصلحته ومصلحة الوطن , لأن الراعي هو الوطن , والراعي ليس ملزما بسؤال الرعية , انه يسأل نفسه لأنه هو الرعية ايضا !!,ولماذا يسأل الراعي والبلاد ملكه بسند عقاري , البلاد عقار اسمه عقار الأسد ..سوريا الأسد , وليست كما يظن البعض الجمهورية السورية ,الدولة كالبيت والرئيس كرب البيت والاسرة ,قالها السادات يوما ما مفتخرا ومطمئنا ,انكم جميعا أولادي !, القرار أو الشعار بخصوص الأولاد صحيح دائما , لأن ” حب ” الأولاد هو المصدر الرئيسي للقرار. بحب الرئيس يحيى الوطن .
المطلوب اقامة دولة , والدولة تعريفا مؤسسة سياسية, وما أقيم كان أشباه دولا بدون سياسة !!, بالنتيجة لادولة , انما عشائر وقبائل وعوائل وبيت كبير برب وزوجة أو زوجات وأولاد… هذا ماحدث , بقيت القبيلة قبيلة بدون دولة .
