مفيد بيطار , ميرا البيطار
اضافة الى الاحتماء بالمقدس كحصن دفاعي , يمثل المقدس بالنسبة للسلفية الحقيقة المطلقة والوحيدة , وهذا الأمر مدمر للعقل , فعقل لايحتوي الا ثوابت المقدسات هو عقل ضيق الأفق واتكالي متطفل على صانع هذه المقدسات , اقتصار امتلاك العقل على مادة المقدس يمثل فقرا فكريا مخصيا عقيما يقود الى تكريس نزعة التعالي الشخصي , اذ يشعر الشخص المزود بالمقدس بأنه مقدس أيضا , وكل مايجانب المقدس الفكري والمقدس الشخصي هو مدنس, كل ذلك يثير ارتكاسا عدائيا قد يتطور الى ممارسة العنف .
الوضع الذي وصلت اليه هذه الشعوب مذري, والعلاقة بين السلفية الأصولية السياسية ,كعامل من عوامل التأخر العديدة , وبين سبات الشعوب حضاريا واضح , انعدام او ضعف امكانية النقد مكرس لهذا التأخر , فالنقد الذاتي غير منطقي بسبب اعتبار الذات المؤمنة دائما على حق , وكيف لأمة تعتبر نفسها خير أمة أن تمارس النقد الذاتي ! , النقد الخارجي معاق لعدة اسباب منها اتهام هذا النقد بمختلف الاتهامات , منها اتهامه بالسلبي, وكأنه على النقد ان يوجه للايجابي ايضا , وما هي ضرورة توجيه النقد للايجابي ؟ , النقد يوجه لما يعتبره الناقد خاطئ وليس الى مايعتبره الناقد صحيح , ومنها عدم ارفاق النقد مع طرح الحلول , وكأن طرح الحلول أمر ميسر وممكن لكل انسان , انتقاد الفساد لايعني التمكن من تقديم حلولا لمشكلة الفساد , هذا تعجيز !, هنا قد تعجز المؤسسات المختصة عن تقديم الحلول , النقد ضرورة ملحة لامناص منها ولا يمكن الاستغناء عنها , وبدون النقد سيستمر التعثر , فالنقد “المعاق” هو مصدر التطور “المعاق” , لم تتطور وتتقدم شعوب العالم الا على يد النقد , الذي اهتم به آلاف المفكرين من قبل أرسطو الى مابعد رجل العقل والعلم ديكارت .
لاتقف الأصولية السياسية تجاه النقد الذي يعريها مكتوفة اليدين ,تحاول هذه الأصولية التيولوجية -السياسية اغتيال النقد بالعديد من الطرق , التي منها وصمه بعار التخريب , ثم اعتبار النقد هدام, اذ تريد الأصولية نقدا بناء , بالمقابل لانعرف عن الاصوليين السياسين تقبلهم لأي نقد مهما كان , ينال النقد والناقد دائما حصة غير قليلة من التشويه والتكفير والاتهام بعدم احترام المقدسات ثم اثارة الفتن , ويعاقب بالتخوين والاقصاء وحتى القتل والاغتيال والاعتداء , الذي كان ضحيته الأخيرة سلمان رشدي ,الذي لم يكن الضحية الأولى وسوف لن يكن الأخيرة .
لقد أفلحت اغتيالات السلفية السياسية في تصفية العديد من النقاد والمفكرين , فرج فودة اردي قتيلا بالرصاص , محمد الفاضل اردي قتيلا بالرصاص , نصر حامد أبا زيد طلق من زوجته قسرا دون أن يريد الطلاق بالحسبة , سيد القمني ارغم على الهروب طالبا الغفران من القتلة ومعلنا التوبة في مجلة روز اليوسف , ارادت الأصولية السياسية تعليق طه حسين على حبل المشنقة ,كما علق الشاعر أحمد النعيمي , وقبل سنوات اردى ناهض حتر قتيلا ,المسثتشار عبده ماهر يحكم بالسجن خمس سنوات , والآن يتعرض ابراهيم عيس لمحاولة هدر دمه , الأمثلة على ممارسات الاجرام بحق النقد والناقدين أكثر من أن تعد او تحصى .
تمثل الأصولية السياسية عاهة أو مرض أو على الأقل اعاقة , قادت الى التخلف والشلل وعدم المقدرة على صناعة غدا أفضل ومستقبلا أمثل , الغد الذي تريده الأصولية السياسية هو غد الحوريات وغد الخرافات والفقر والتأخر , الذي لايصله الانسان الا عبر ممارسة العنف شخصيا أو اجتماعيا او حتى فيزيائيا , غد بدون وطن اي غد التشرد !