سمير صادق :
لاحاجة للحديث عن الاستعمار التقليدي الكولونيالي , ولا حاجة للحديث بالتفصيل عن الاستعمار الجديد , الذي يعني تكبيل المستعمرات التي نالت استقلالها بالعديد من الاتفاقيات والمعاهدات , التي تتحكم بالبلاد بعد زوال الاستعمار المباشر الكولونيالي الأقدم , اي استعمار غير مباشر من خلال الاتفاقيات بدلا من استعمار مباشر بواسطة العسكر .
في التسعينات ولد مفهوم الاستعمار الداخلي الجديد في امريكا اللاتينية , خاصة في الدول التي رحل الاستعمار التقليدي عنها , ولم تكبل هذه الدول باتفاقيات ومعاهدات تحكمها اي تستعمرها من جديد , في هذه الدول وغيرها خارج امريكا اللاتينية تطورت الأحوال بشكل لم يكن في الحسبان , مما دفع الى محاولة تعريف الوضع الاستقلالي وتقييمه وتحليله .
ففي هذه الدول كان كل مايخص الاستعمار منبوذ ومرفوض , الهيمنة الخارجية مرفوضة , ثم الاستغلال والاستبداد والاستيطان والاستحقار والاذلال وغير ذلك من السلبيات التي يرفضها كل ذو عقل وضمير , بالرغم من ذلك كانت هناك تطورات داخلية قادت الى قناعة متزايدة , مفادها ان الوضع بعد الاستقلال أصبح أسوء من الوضع تحت الاستعمال الذي رحل, فمعظم هذه الدول وقعت في مطب الديكتاتوريات الداخلية , التي سرقت الأخضر واليابس واستغلت البلاد بشكل لصوصي تفوق على لصوصية الاستعمار الخارجي , وحتى بداية بعض اشكال الديموقراطية , كما كان الحال في سوريا تعثرت وتوقفت , وبالتالي ساء الوضع بعد الاستقلال مقارنة مع الوضع تحت الاستعمار الخارجي .
تفاقم الوضع بعد بدعة الغاء السياسة , التي نعرفها من تطورات عام ١٩٥٨ في سوريا ,الغاء السياسة قاد الى ولادة مخلوق “المعلف ” وبالتالي مخلوقات ” القطيع”,المؤهلة لممارسة مهنة الزبانية , عاش الناس في بعض الحالات بعد الاستقلال في اوضاع أسوء من الاوضاع التي عاشوها تحت الاستعمار , حتى في النواحي الجوهرية مثل مستوى المعيشة المادي ثم التعليم والعناية الصحية والقضاء والأمن , خاصة الفساد وتملك البلاد من قبل العائلات , التي حولت الدولة الى مزرعة خاصة ببعض العوائل , التي مارست التعسف بأبشع صوره , صور لم تكن معروفة تحت نير الاستعمار الخارجي .
هناك حالات برهن بها الاستعمار الخارجي عن فوائد جمة , من هذه الحالات كانت على سبيل المثال ألمانيا التي اصبحت محتلة بعد الحرب العالمية الثانية , ولكنها نهضت بالرغم من ذلك او بسبب ذلك في فترة قياسية بقصرها , كذلك اليابان والعديد من الدول الأخرى , أسوء التطورات كانت للأسف بشكل رئيسي في البلدان العربية,هنا كانت الصورة أكثر استغلالا واستبداد وقبحا مقارنة مع الحالة مع الاستعمار الخارجي .
ولادة مفهوم الاستعمار الداخلي في هذه المنطقة كانت من رحم التردي وعلى يد التردي المتعاظم بعد الاستقلال, بحيث تغيرت وجهة الخوف , مصدر الخوف لم يعد الاستعمار الخارجي , انما الاستقلال الذي احتضن الاستعمار الداخلي , وقاد الى خراب وتدهور وتأخر لم يكن متوقعا , ولم يكن له شبيها في حقبة الاستعمار الخارجي .
لاينطبق المثل الألماني او الياباني على كل حالات الاستعمار , فمن الملاحظ وجود علاقة بين وضع المستعمر وبين امكانية الاستفادة منه ,لقد كان من الممكن الاستفادة من استعمار متقدم كالانتداب الفرنسي , لا وجود لهذه الامكانية عندما يكون المستعمر اكثر تأخرا من المناطق والشعوب التي استعمرها , كما كان حال الاستعمار العثماني وحال الاستعمار الحجازي القريشي , فالتعلم ممكن من المتعلم وغير ممكن من الجاهل المتأخر المتوحش .
يمثل الوضع السوري حالة استعمارا داخليا من اقبح اشكال الاستعمار الداخلي سوءا , استعمار داخلي جاهل ودموي اضافة الى ذلك , ولدية الاستعداد النفسي لحرق البلاد حسب شعار الأسد او نحرق البلد , النظام كارثة والبديل الفصائلي الجهادي كارثة أعظم , كلاهما مصاب بلعنة الرصاص والبندقيىة والعنف , كلاهما يمثل اقلية عددية تافهة اي حوالي ٥٪ تقديرا , ولكنهم يملكون ٩٩٪ من الرصاص والبنادق , ليست العبرة في سوريا بالأقلية او الأكثرية البشرية , انما في اقلية او اكثرية البنادق والسكاكين والمدفعية …