بين ديكتاتورية السماء وديكتاتورية الأرض .. القائدالخالد الواحد ….

 سمير   صادق  :

      يمكن القول , على أن الطائفية  وليست “الدينية”  هي التي تتحكم بالوعي الثقافي العربي منذ ١٤٠٠ سنة ,  ويمكن القول أيضا  على أن    العديد من فئات الشعوب  دعمت الحركات القومية   في نصف القرن الأخير ,  آملة  الحد من المد الطائفي, أو حتى التغلب على وعي طائفي  أصبح شبه جماعي  ومتجذر في النفوس.
الا أن ماحدث كان  مشكلة أكبر, ليس بسبب فشل   الحركات القومية   فقط في التغلب على  طائفية الوعي  الجماعية  ,انما لارتشاح  الحركات القومية بالوعي الطائفي , حيث تحولت  هذه الحركات  القومية  الى  حركات طائفية  ذات قالب  مدني ,وقلب  غيبي  طائفي  ,  البعث على سبيل المثال , الذي   تشرب بالطائفية , وأصبح  قناعا   لها , ومكن الطائفية  من النمو , حتى تمكنت من السيطرة عليه  وجعلته  ملحقا أو ذيلا لها , وحيث  ضعفت الطائفية كان هناك من  تمكن   من  اختراعها  وتنشيطها من جديد .
يستمد  النشاط الطائفي  قوته  بشكل اساسي  من وجود الأديان  بشكل عام ومطلق , فلولا الأديان لما كانت هناك طائفية دينية , وللأديان مخزون تاريخي عميق,   يعتمد في  ضخامته  على ضخامة الجهل  ,   العلاقة طردية بين هذه الأحجام , ولما كان  الجهل نسبيا  من خصائص الانسان التي سوف لن   تنقرض  , لذا فانه من المتوقع أن  لاتنقرض   الأديان , خاصة  وان هذه الأديان    وافرازاتها الطائفية   مفيدة جدا للبعض , الذي يجد بها الوسيلة الجيدة  وحتى المثالية  في  تثبيت اركان  تسلط يهدف الى  الحصول على الغنائم  عن طريق السلب والنهب والافقار والاستبداد , وذلك من أجل البقاء والاستمرار,  ,   الفكر الديني  , الذي  يؤله , يساعد على تأليه الطاغية , وبالتالي  بقاء الطاغية   الى ماشاء الله .
الديكتاتوريات   المتألهة  تحب  الطائفية والطوائف , لأن  استبدال   البنية السياسية الحزبية   ببنية  طائفية  أقل تغيرا   وأكثر ثبات  اوقدسية   مفيد   بخصوص   الاستمرارية  ,  عندها تطفو الديكتاتورية  (التي أصبحت بحد ذاتها طائفة )على سطحها  مستغلة تناقضاتها الأبدية ,  مما يؤبد السلطة المتألهة  الديكتاتورية ,  ويمنع  نقد هذه السلطة  الالهية  المقدسة  , كما أنه يوفر لهذه السلطة الكثير من العناء  في   اقامة  المشاريع  وغير ذلك من متطلبات التنمية والتقدم, فالتأخر قضاء وقدر    لايجوز  الطعن به.
  تكونت في العالم العربي في نصف القرن الأخير أحزاب سياسية   , ذات أفكار وأهداف جيدة, وقد كان على هذه الأحزاب  أن تنجح في معركة صعبة مع التفكير الديني المتجذر في النفوس والعقول , الا أن  هذه الأحزاب  خسرت المعركة   مرحليا   لعدة أسباب , من أهمها  استسلامها  لما يسمى القائد  الخالدالمتأله , ظنت هذه الأحزاب على  أنها تستطيع امتلاك  القائد وتجنيده في خدمتها , والعكس كان النتيدجة , لقد  تملك  القائد  المتأله  الحزب  وحوله الى مطية     للوصول الى أهدافه الشخصية ,التي من أهمها  كان   الاثراء.
التسلط  الأسطوري  ثم  امتلاك الحزب والسلطة وحتى الدولة وتوريثها الى ذويه , وذلك بمساعدة  النزعة  الفردية  والاستغلال الطائفي  ,قاد   الى  بقاء القائد , الذي هو بحد ذاته طائفة , والى اضمحلال الحزب السياسي  , الذي  تحول   الى   منظومة  بقلب طائفي  وقالب مدني , فالقلب الطائفي  كان مصدر قوة ضاربة  , والقالب المدني كان وسيلة  لتسويق الدجل الذي سمي “علمانية ” , وهكذا  خسرت الشعوب   كل  شيئ , وربح   القائد كل   مايريد ,   انحط مقام الدولة  وارتفع مقام القائد  , والنتيجة المرة  هي   ماتعيشه     شعوب  الدول العربية   , التي انحطت بشكل مرعب , وتأخرت   بشكل   كارثي,  و ليس   من     المنتظر   على   المدى   القريب  والمتوسط   اي   تغيير  .
هناك ظروف خارجية ساعدت على  افراغ الأحزاب السياسية من مضامينها المدنية  , وبالتالي  ساعدت على  الطغيان الطائفي   , منها  انهيار الاتحاد السوفييتي , ومنها أيضا  البترول  , الذي  ساهم الى حد بعيد في تقوية المشايخ   وفي اضعاف  التيارات المدنية  , التي تواجدت  بشكل   رئيسي  في دول لاتملك   بترولا أو غيره من الثروات  الطبيعية   , هنا يجب  التأكيد  على أن هذه العوامل الخارجية  ليست أساسية   انما  مساعدة , فالأساس هو العامل الداخلي  الذي تجلى بضعف المناعة الفكرية الثقافية , التي سمحت للعوامل الخارجية بالتأثير على الداخل  , وسمحت للديكتاتوريات بالنشوء  والاستمرار ,  لم  تتمكن   الشعوب   بضعف  وعيها  الجماعي من انتاج    أفضل  من    الخراب ,  الذي نراه  ونلمسه ونعيشه  .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *