ممدوح بيطار,مها بيطار :
لاتزال مفردات الانحطاط تزدحم في مواد ونصوص قوانين الأحوال الشخصية في الدول العربية , محليا تقول المادة 34 بجواز التوكيل في عقد النكاح , والمدة 266 تسخدم مفردة أشد انحطاطا من مفردة نكاح , تقول المادة “الموطوءة بشبه اذا جاءت بولد “,لا ضرورة لسرد المزيد من معالم الانحدار اللغوي والمفاهيمي والأخلاقي في هذه القوانين , فما هو الدافع للاصرار على تعريف عقد زواج على انه عقد نكاح ؟, وكيف لايخجل واضعي هذه القوانين من استخدام مفردة “موطوءة” ,مع العلم بأن الغالبية الساحقة من الملمين بأبسط المعارف اللغوية يعتبرون استخدام هذه المفردة في عنونة الاتفاق حول الزواج بأنه عقد نكاح أمرا شنيعا ومقززا للنفس !, ما هي دلالات ذلك الاصرار على استعمال المفردة من قبل الاخونج وأمثالهم المنصاعين للنقل والمتنكرين للاخلاق والعقل , فلطالما تم استخدام هذه المفردات قديما , يجب استخدامها حديثا , هذه هي روح استحضار الماضي التعيس ليكون مرشدا للحاضر والمستقبل , هذه هي روح الماضوية والتأخرية التي فعلت فعلتها القاتلة في المجتمعات , هل يعقل اضفاء الشرعية على بدل الوطء مثلا ؟ , نخاسة شرعية !!, وهل يعقل أن يكون قبض بدل وطئها بواسطة الولي الشرعي لكي يصبح زواجها شرعيا ؟؟؟ وما هي دلالات الولي بالنسبة للمرأة بينما الرجل لايحتاج الى ولي !!!, وهل يعقل ان تتقبل الشرعية صداما مع المنظومة القانونية الدولية , التي لاترضى عن امتهان كرامة المرأة واحتقار وجودها وانسانيتها , وذلك بسبب الشغف بالحفاظ على مفهوم النكاح والوطء , علما بأن كل الدول العربية اعضاء في المنظومة القانونية الدولية .
هناك أكثر من 300 مادة من مواد قانون الأحوال الشخصية المحلي البالغ عددها 665 مادة , تحط من قدر المرأة وتؤكد سيادة الرجل عليها بالقيمومة , فللرجل حق اللعان وحق نفي النسب عن الأطفال وله حق العضل وحق الايلاء وحق الظهار الخ , وبغض النظر عن مصدر ذلك التوحش القانوني , تمثل هذه الامتيازات المسماة حقوق الغاء لانسانية المرأة والطفل والانسان عموما , وتجعل منهم مخلوقات ادنى مرتبة من المخلوق الذكوري, وما على المرأة في هذه الحالة سوى الاستسلام والقبول بمقايضة العلف مع الوطء ومع الاذلال لكونها أصبحت “ضرة” كزوجة ثانية أو ثالثة أو ماطاب لكم وما ملكت ايمانكم .
لا تقتصرالمشكلة الثقافية الاجتماعية التراثية على الفشل في الابتعاد عن مفردة سقيمة بمدلولات حيوانية كالنكاح والوطئ , وانما تشمل كل نواحي الحياة , فالحياة في هذه المجتمعات تتصف ببنيتها الثابتة والغير قادرة على التغير والتطور , والمجتمع التقليدي الأبوي الذكوري , الذي فشل حتى الآن في ايجاد ماهو أجمل وأليق من مفردة “نكاح” ومفردة “وطء” , هو مجتمع من النوع الشللي, هو مجتمع “ساكن راكد” ,وبالتالي فان ثقافة مجتمع من هذا النوع هي ثقافة ” سكونية ” معتدة بنفسها نرجسيا , ورافضة للتلاقح مع الثقافات الأخرى عنصريا( الخصوصية الثقافية ) ,فلولا الشعور بتفوق مفهوم النكاح في تعريف الزواج على المفاهيم الأخرى ,ولولا الابتلاء بعاهة النقل الحرفي ثم الطاعة والانصياع , لما كان هناك ذلك الاصرار على استخدام المفردة التافهة وغيرها من التوافه , الذين تحولوا الى نوع من الانتربولوجيا الثقافية , الى كينونة شبه عضوية بميزة أساسية هي الخضوع الى السكون وانتفاء التطور وشلل العقل والذوق , فما بقي من العقل , ان وجد , هو عقل متردد خائف مرعوب ومرهب ومشلول , غير قادر بجهله وايمانه على ادراك الواقع , وغير قادر على تطوير هذا الواقع, وعلى انتشال الانسان من قاع الانحطاط .
يعود التخلف الذي يتمظهر في التمسكك باستخدام بمفردة اشكالية الى عاملين , الأول هو اللاعقلانية والثاني هو العجز , اللاعقلانية تعني عدم المقدرة على التدبير , والعجز يعني عدم المقدرة على الوصول الى الهدف , وأحد المشاكل الأساسية تكمن في ادمان الناس على التعايش مع التخلف ,كما يتعايش المخلوق البشري مع ظاهرة الموت الأخلاقي وحتى العضوي ,انها الاستكانة للزهد الأرضي طمعا في الانفلات التام في الجنان السماوية .
يعود التخلف, الذي يتعايش الفرد معه بطوعية وادمانية مثيرة للاستغراب والتعجب , الى منظومة المجتمع الأبوي وحجره الأساسي هو استعباد المرأة واستبعادها ونفي وجودها الاجتماعي , الذي يأخذ أحيانا شكل الاعدام الاجتماعي , المجتمع الأبوي هو مجتمع ذكوري مسكون بالتسلطية والوصاية ثم التعنت الرافض للنقد والمصر على الهيمنة المرضية على المرأة واستهلاكها , المهدئ لغريزة النكاح التقني والمشبع لهذه الغريزة بدون حب أو مشاعر خارج الفرج , مخلوقات “الفرج والشرج ” مخلوقات العلف والنكاح!!! , ماهي قيمة هذا العقد عند تعثر النكاح لسبب ما بين المرأة والرجل ؟.
من لايقتدر على انسنة مفردة , لايقتدر على أنسنة ماهو أهم منها , هذه هي عنانة “الأنسنة” وبالتالي عدم المقدرة على خلق وعي جماعي شعبي علمي حقاني تجاه مختلف نواحي الحياة , انعدام وجود وعي المساواة الجماعي أبقى النظرة للمرأة في اطارها الاستهلاكي النكاحي القديم , وأجهض امكانية نجاح الأنسنة وهيمنة الأنسنة على الوجود الاجتماعي , مما قارب المخلوق البشري في هذه المنطقة مع المخلوق الغريزي الحيواني للأسف .
يتوقف مصير المجتمعات التقليدية الأبوية على مقدرة هذه المجتمعات في التغلب على صيغتها الأبوية واستبدالها بصيغة انسانية تتجلى بالاعتراف نظريا وعمليا بوجود المرأة اجتماعيا , وبالابتعاد عن المجتمع الذكوري المسكون بالذهنية الأبوية , والمهووس في ممارسة التسلط ,هوس ينتقل من الأسرة الى الحارة الى البلدة ثم المدينة وبالنهاية يشمل كل المجتمع ,المجتمع المهووس بالذهنية الأبوية هو مجتمع قاصر وبذلك خاضع للاملاء والفرض .