ممدوح بيطار:
مرض التكفير هو من أهم أمراض المجتمعات االاسلامية , اذ لم يكن هناك في الجاهلية تكفير ,التكفير يعيق قيام الدولة بوظائفها ,ويعيق تطبيق مبدأ المساواة اجتماعيا , حيث تعتبر فئة نفسها متفوقة على الأخرى بعنصر الايمان , التكفير يقود الى فوضى الدم والى التنافر والتكاره والرفض والاقصاء الذي على الدولة عندئذ معالجته بشكل يقود في كل الأحيان الى اجهاد الدولة واجهاضها , التكفير ظاهرة ليس لها أن توجد في مجتمع الدولة ,ممارسة التكفير مضعضع للبنية الاجتماعية , وعليه فهو نقمة حصرا وبامتياز , انه ضرر مطلق وليس له اي موجب أو فادة .
للتكفر توأم هو التخوين ,الذي يحول حيزا كبيرا أو صغيرا من االشعب الواحد الى خونة عملاء , وله من العواقب الكارثية أكثر من عواقب التكفير , وكم من بريئ علق على حبل المشنقة لاتهامه بالخيانة ,تهمة مؤسسة بالحقيقة على تباين في الرأي , كيف يمكن لدين ان يقود دولة حرية وديموقراطية , عندما يمارس هذا الدين القائد التكفير وبالتالي التخوين السياسي الوطني .
عن التكفير والتخوين وعن الكوارث التي يسببها التكفير والتخوين كتب الكثير بكثير من التفصيل والنقد والتحذير , ولا أظن بضرورة اعادة هجاء التكفير والتخوين مفيد وضروري , الأهم من ذلك هو تسليط الضوء على الاسلام السياسي الذي يمثل الآن اشكالية كبيرة نظرا لكونه الممتهن الرئيسي لممارسة كارثة التكفير وكارثة التخوين معا , يكفر كاسلام ويخون كسياسة , اي أن كارثيتة مزدوجة ,وازدواج كارثيته قاد ويقود الى تكريس ثقافة الرفض التي تعصف بالمجتمعات االاسلامية وتعيق انفتاحها وبالتالي تحديثها وانسنتها .
يترافق شيوع التخوين والتكفير والاتهام بالخيانة والتآمر في أغلب الحالات مع انتشار ثقافة النبذ والرفض والاقصاء والتجريم وخطابه , الذي لافاعلية له سوى تفتيت المجتمع والاقتتال .
الكراهية هي أحد أهم التجليات السلبية لرفض الآخر , من الناحية النظرية ليست مفهوما مستقلا بل مرتبطا بمفهوم “الآخر” وكل آخر مختلف وبالتالي مصدرا للخلاف معه وهدفا للكره والرفض .
الاقصاء ملازم لثقافة الكراهية , اقصاء الآخر ضروري لمن يكرهه , بسبب اختلافه عنه , وتبرير ذلك يعتمد على الشك بعقيدته “المحرفة” أو كفره أو خيانتة للوطن أو عمالته للاستعمار أو عدائه للشعب ,
التعصب بأشكاله المختلفة دينيا أو فكريا أو قوميا … هو أحد ابناء ثقافة الكراهية المتلازمة مع رفض الآخر , المتعصب على حق ومالك للحقيقة المطلقة , وبالتالي ممارس للتعالي على الآخر , مما يشكل مصدرا للخلاف مع الآخر .
من خصائص العقل العربي الجمعي عدم الاكتراث بالواقع والواقعية والمنطق , هناك من ينصح ويشدد على تجاهل تلك االاشكاليات التراثية وعدم التعرض لها , لأن التعرض لها يمثل نهجا تفتيتيا تقسيميا , ويعرض الوحدة الوطنية للارتجاج والخلل , وذلك في الوقت الذي يحتاج به المجتمع الى التوحد والتلاحم , الجماعة بحاجة الى خطاب يوحد ولا يفرق ويجمع ولا يمزق … نصائح وخطاب ملائكي !!!!!
تعبر تلك النصائح الملائكية عن خدعة ومخاتلة وجهل , ينصحون بعدم التعرض الى هذه الاشكاليات, وكأن الوحدة والتلاحم مستتبا في ظل اشكاليات التكفير والتخوين ,وحالة الشعوب على أعلى درجات الانسجام والتكافل والتضامن بين فئات الشعب , التي تكفر بعضها البعض , وتخون بعضها البعض , حقيقة يمثل ذلك دعوة الى الاستكانة لما يفرق ويمزق , اي الاستسلام للتكفيريين والتخوينيين , لاتعرف الشعوب التي نجحت في حل مشاكلها أكثر من الاختلاف , الذي يوحدهم ….الوحدة في الاختلاف وليس التمزق والتفتت والخلاف في الوحدة الوهمية
مصدر هذه الدعوات المشبوهة حصرا هو الجهات التي تكفر وتخون , هؤلاء لا يهدفون الى الوحدة والاتحاد , وانما الى الانصياع لما يريدون , يريدون من الآخر أن يصمت ولا يعكر ضجيج ساحات القتال تحت الرايات السوداء , يجب أن نصمت لكي نؤمن للمكفرين التخوينيين الجو المناسب لممارسة تكفيراتهم وتخويناتهم وبذلك تتحقق الوحدة ويتحقق الوئام المتوهم