سمير صادق :
لاشك بأن الجهاز السلطوي في سوريا يعتقد حقيقة أو تلفيقا بكون الوضع السياسي السوري ديموقراطي, الرئيس قال بخصوص الانتخابات ” زايدوا عليكم بالديموقراطية فمارستوها بأرقى صورها ” , وقبل ايام انبرى الصحفي شادي حلوة للفنان عباس النوري , مدعيا بأنه لاديموقراطية تعلوا على الديموقراطية السورية, محاولا البرهنة عن ذلك بنشاط السوريين الملحوظ في مجال التواصل الاجتماعي , وكأن النظام السوري هو من أوجد الفيسبوك, وكأن قانون العقوبات للنظام السوري لايرى السجن ١٥ عاما لمن يتعرض للأسدية على صفحات الفيسبوك أو غير الفيسبوك .
تعتبر السلطة الأسدية اي تعرض لها ولممارساتها وأي شك بشرعيتها , هو بمثابة تعرض للدولة السورية ولشرعية الدولة السورية , اي أن الأسدية تعتبر نفسها الوطن وتعتبر الوطن أسدية , لافرق بين شرعية الوطن وشرعيتها , ومن يتعرض لشرعية السلطة يتعرض لشرعية الدولة , لأن شرعية الدولة هي من شرعية النظام السياسي القائم بها .
عموما لاوجود لتلازم “تكويني ” بين النظام السياسي وبين الدولة , فالدولة يمكن أن تتمع “بالشرعية ” بدون تمتع النظام السياسي بذات الشرعية , وهذا الأمر واقعي تاريخيا على سبيل المثال الدول الأوروبية في القرون السابقة , عندما تأسست دولا “شرعية ” بناء على معطيات شعبية وجغرافية , وبالعكس من ذلك لم تكن بعض النظم السياسية شرعية , ولم تصبح النظم شرعية الا بعد العديد من الصراعات , التي قادت الى شرعية النظم الحاكمة , وذلك بالتزام هذه النظم بالديمو قراطية , فالدولة الألمانية والدولة الايطالية كانتا دولا شرعية , أما النازية والفاشية فلم تكن نظم شرعية , الدولة السورية شرعية , ولكن الأسدية ليست شرعية , لأنها لم تقوم على وسائل وأسس شرعية مثل انتخابات شفافة , انها ادنى شرعية من شرعية النازية , التي حظيت بنسبة جيدة من أصوات الناخبين عام ١٩٣٣ , الا أن زورت البرنامج , الذي قاد الى تلك النسبة من الأصوات , لقد انقلبت على برنامجها في السنة الأولى بعد تسلمها السلطة , وبذلك فقدت الشرعية وتحولت الى نوع من الاستعمار الداخلي , الأسدية ولدت كاستعمار داخلي , واستمرت كاستعمار داخلي حتى الآن .
قد تكون شرعية الدولة ناقصة تاريخيا واجتماعيا , أي لم يستكمل كيانها الشرعية بالمعنى الدقيق لشرعية الدولة , هذا الأمر لايغير من شرعية النظام أو عدم شرعية النظام الحاكم بالمعنى الديموقراطي للكلمة , عموما يحتاج الحال السوري الى حسم مع التاريخ , ولهذا الحسم علاقة اساسية مع سايكس- بيكو , الذي تأسست بموجبه الدولة السورية , من لايعترف بسايكس -بيكو ينتقص من شرعية الدولة السورية , التي اكتسبت الشرعية عن طريق سايكس-بيكو , الأمر ليس أمر عواطف وتمنيات , انما هو أمر ادراك الواقع كما هو , وليس بالشكل الملخبط كما يفعل البعض .
المهم عمليا ليس شرعية الدولة , انما شرعية السلطة بالدرجة الأولى , انه من الصعب زرع شرعية الدولة في سلطة غير شرعية , العكس صحيح نسبيا , يمكن للسلطة تحويل الدولة الى دولة شرعية بعدة طرق منها خلق الاستقرار ثم تكريس الوطنية المحددة بحدود الوطن , البعض يريد ان تكون الدولة شرعية , وفي نفس الوقت يطعن هؤلاء بمفهوم شرعية الدولة , فمن يعتبر أن أفق هذه الدولة ناقصة جغرافيا وبشريا , يتنكر لشرعية الدولة , الاعتقاد بدولة عربية من المحيط الى الخليج أو خلافة اسلامية أممية , هو اعتقاد لاغي لشرعية الدولة السورية وغيرها من دول المنطقة المعنية بالمشاريع العروبية او الاسلامية.
الأسدية بكونها خليط من العروبية والاسلامية ثم التسلطية والفساد والكثير غير ذلك من الصفات السلبية , اعتمدت آليات الدولة كاحتكار العنف في اضطهاد المواطنين , وبذلك نسفت مفهوم الدولة بحد ذاتها , الأسدية لم تلتزم بآليات الانتخاب الشفافة , وأخلت بكل العلاقات التي تقيمها الدولة مع المجتمع , مما افقد مفهوم الحقوق والواجبات وغير ذلك من المفاهيم , التي تمثل أساس بنيان الدولة, لدلالاته عند المواطن , مقاومة ذلك تمثل انتصارا لمفهوم الدولة , الدولة هي سلطة المواطن , وعلى السلطة السياسية الحاكمة بشكل ما الخضوع لمبادئ الدولة , تفقد أي سلطة شرعيتها أن لم تفعل ذلك!!!! , اكتساب الشرعية لايعني بقائها … من يكسب الشرعية يفقدها ايضا.