ممدوح بيطار :
تتواجد شعوب هذه المنطقة في حالة متزايدة من التردي والتأخر المستمر منذ ١٤٠٠ سنة , والذي قاد الى تلف واحباط مشاريع الدول التي ولدت بعد الحرب العالمية الأولى , من المنطقي تحميل المنهجيات , التي بواسطتها تمت ادارة البلاد المسؤولية عن ذلك , ففي نفس الوقت تقريبا تمت اقامة العديد من الدول الجديدة في العالم , هذه الدول الجديدة خارج المنطقة العربية-الاسلامية ازدهرت وتطورت وتقدمت , بعكس ما نراه ونلمسه بخصوص دول المنطقة .كتب الصديق قاسم الحجي مايلي
“وعلى كل حال بقي العرب الفاتحين والاصلاء في هذه البلاد ١٥٠٠ سنة واختلطوا مع قوميات وشعوب اخرى وشكلو الثقافة العربية الاسلامية سواء رضيت او لا فهذه حقيقة وبنوا حضارة استمرت الف وخمسمئة عام
ومازالت حية وانت حقيقة الامر تبحث في ركام التاريخ
عن حضارة لم تستطع الاستمرار
كل مابقي بهذا البلد هي الحضارة العربية الاسلامية والرومانية
وباقي الحضارات لم يبقى منها مايدل على وجودها
الاشقفة جرة او عظمة فخذ بالية
وتقول لي اصلاء واصلاء”
من السهل جدا القول ان كاتب هذا الكلام مخدوع وخداع في نفس الوقت, مخدوع بسمو حضارة لاتستحق هذا الاسم , مع العلم بانه لاوجود لشعب بدون حضارة , والحضارة هي تسمية لانجازات أي شعب , لا وجود لشعب بدون انجازات ما , حتى الانجازات السلبية تعتبر جزءا من مايسمى حضارة .
لابد هنا من ربط الوضع الحالي المتردي مع الماضي المتردي ايضا , الربط مؤسس على اصرار العروبيين على “البعث” , اي بعث الأمة التراثية القديمة من جديد بالقلب والقالب الماضوي , وقد نجحوا في مرحلة ما وفي نقاط معينة في بعث القديم من جديد , والنتيجة كانت كما نرى ونلمس تأخر جديد مشابه للتأخر القديم, ادعاء السيد قاسم الحجي مصيب بخصوص النجاح في تشكيل ثقافة عربية اسلامية , وادعاء الغير بأن هذه الثقافة كانت سبب التردي ايضا مصيب , فالمصائب الحالية مرئية وملموسة , ولا مجال لنكرانها .
كيف أسس بدو الجزيرة لحضارة او ثقافة ايجابية في البلدان التي فتحوها او احتلوها , عندما لم يملكوا تلك الثقافة والحضارة في البلاد التي اتو منها , وكيف يمكنهم تعمير وتحضير المناطق التي احتلوها وفتحوها عندما تكون بلادهم حتى هذه اللحظة متأخرة وبدون عمران أو حضارة ؟؟لم يبنوا مسارح وجسور وقنوات ريولم يكتبوا النوتات الموسيقية , حضارتهم كانت رزقهم تحت رمحهم ,السلب والنهب والسيف والقتل والذبح كان مضمون عقيدتهم,
لم يكتفي المخدوع الخداع بتزوير الماضي , وادعاء وجود ما ليس موجود , لقد مدد ومطمط الخداع ليشمل الحاضر, ففي الحاضر رأى حيوية حضارية , اذ كتب , وما زالت هذه الحضارة حية , اي ان المجتمعات العربية الاسلامية لاتزال حتى هذه اللحظة منهمكة بصنع حضارة رائدة , هذا يعني انهم لايزالون يشعون حضاريا حتى في عام ٢٠٢٢, فالحضارة الجيدة مشعة ..حركية وليست ساكنة , ولا تعرف سوى التمدد , كيف تتمدد هذه الحضارة العربية -الاسلامية الآن ؟ وأين تتمدد ؟ , وماهي المضامين التي تحملها ؟وما هي انجازاتها على المستوى الفكري النظري الفلسفي أو على المستوى التطبيقي العملي ؟ أخشى ؟, أن تكون الأجوبة عل تلك الأسئلة محزنة جدا !.
يكرر المعلق ما يكرره اشباهه بخصوص الحضارة العربية -الاسلامية وكمالها ومثاليتها , لابأس من اي تكرار بشكله المجرد , الا أنه لايمكن رؤية موضوع الحضارة بشكله المجرد , لأن مفهوم الحضارة لايجرد , انه امر اجتماعي , الحضارة لاتقوم على شخص , والتضرر من الحضارة السلبية لايقع على شخص فقط , وفوائد التحضر ليست لشخص فقط , اي اننا مع السيد المذكور طيا على السراء والضراء , ترويجه للحضارة العربية الاسلامية الحية الآن ليس فقط تزوير , انه تلبيس للعروبة الاسلامية بالأوهام , وبالتالي تغييب النظر عن غيرهم من الشعوب , وما تملكه هذه الشعوب من عوامل التحضر والرقي والتقدم المؤسس على العقل , بينما تعتمد الشعوب المغيبة المتوهمة على الدين المتضمن لنظرية كاملة لحضارة متكاملة!!! , هي المثل الأعلى لكل الحضارات لابل الكفيلة بانقاذ العالم! , والأخذ بيده باتجاه النور والهداية !, عندما يعم الدين العالم ,يعيش البشر في نور التقوى والسعادة والهدى سواء اسلموا أو دفعوا الجزية , المهم ان يتحول العالم الى امبراطورية اسلامية يحكمها شرع الله .
نعترض على تخدير وتدجيل وتلفيق من هذا النوع , لأن تلفيقا من هذا النوع ضار بالجميع , فالتوهم ليس حضارة وليس تقدم , انما معرقل للتقدم وللتحضر , التوهم بحد ذاته تأخر مريع والتضليل أكثر ترويعا , ثم انه من التضليل أن يعلن أي كان عن تفوقه على الآخرين عندما يتفوق الآخرون عليه , هناك حضارات وثنية تتحدى الزمن مثل الحضارة الفرعونية , التي تنتصب اثارها الى اليوم معبرة عن تقدمها وتنظيمها ,حضارة مابين النهرين المتفوقة بدرجات على حضارة مابين الفخذين … هناك الحضارة السورية , حضارة الحرف , البعيدة عن حضارة السيف , والتي رآها المعلق تلميحا بأنها قاصرة , لم تتمكن من الاستمرار , الحرف مستمر الاستعمال , والحرفة مستمرة الممارسة , لذلك فان وجود الحضارة السورية مستمر , بالرغم من محاولات خنقها واقصائها وتدميرها عن طريق تدمير معالمها , لم تقصر الخلافة العربية الاسلامية ولم تقصر السلطنة العثمانية ولم تقصر الأصولية الدينية السورية بهذا الخصوص .
الحضارة الايجابية الأرضية البناءة ليست منجزا دينيا انما منجزا إنسانيا , ساهمت به البشرية من كل ملة ودين وعنصر بشري..الخ , لم يقم الدين بصناعة حضارة , فهذه شؤون انسانية بحتة ينتجها كيان مدني من النجار الى الفلاح الى المهندس والطبيب الي نظام الدولة الهيكلي وغيرهم , لو كانت الآلهة تصنع حضارة وكان المؤمنون أصحاب أصح الأديان وأرفعها وأرقاها , لكان على الحضارة العربية -٠الاسلامية أن تكون قدوة للجميع ومتصدرة الجميع , الواقع يبرهن العكس انها من أحط حضارات هذا الكوكب , انها عار الانسانية على الأرض
