ممدوح بيطار :
   لاتزال   النفسية المريضة   عند   بعض  السوريين   تمجد   الفتوحات   ,    في   تعليق        لأحد    الأمراض   السورية   كتب Smiler Barber
“ما بتمل ، شو قدمت حضرتك للمجتمع، البدو ، حملوا رسالة الأسلام وأرتقوا وفتحوا العالم !!!”
الموقف الأخلاقي يرفض الاعتداء على الشعوب وعلى أراضي الشعوب , وعصبة الأمم المتحدة تصرفت أخلاقيا عندما منعت بعد الحرب العالمية الأولى استعمال مفهوم الفتح , ذلك لأن الفتح كان شكلا مخاتلا وأكثر انحطاطا من اشكال الاستعمار الأخرى , الفتح ليس احتلالا استيطانيا فحسب , انما تملكيا بشكل دائم فوق كل ذلك , يسمح الاحتلال التملكي لممارسيه بالاعتداء على كل شيئ في البلاد , مثلا تغيير لغة البلاد وتغيير دين أهل البلاد , ثم ارغامهم على دفع الجزية والسكوت على سبي نسائهم وبناتهم … انه استعمار مطلق, لم تعرفه البشرية الا من خلال الفتوحات العربية الاسلامية .
هناك من يستشيط غضبا وينفجر عاطفيا , عندما تذكره بموقف الشعوب المفتوحة , الرافض لدجل واجرام الفتوحات , والرافض لمفهوم “التحرير” , الذي يلصق بالفتوحات ؟, والذي يراد به التمويه على العمل الشرير البربري التوحشي المناقض للحد الأدنى من المنطق والأخلاق ومن حقوق الانسان بشكل مطلق ؟.
من يغضب وينفجر ليسوا احفاد قريش المباشرين كالسعوديين , انما اذيال وعملاء القريشية من سكان البلدان المفتوحة , انهم سوريين اسما وشكلا ومساكنة , يريدون حقيقة ان يكونوا استمرار للفتح واستمرارا لاستعمار سوريا , الذي ضمن للفاتحين كل الحقوق ويضمن لا ذيال الفاتحين كل الحقوق , ومن أهمها حق التسلط والاستغلال والهيمنة , هؤلاء ليسوا سوى استعمار داخلي باسم استعمار خارجي, نجح في القرن الماضي في استلاب السلطة بوسائل وأكاذيب انطوت على الغير , الا أنها توضحت وتتوضح أكثر وأكثر كل يوم .
هناك من العروبيين الاسلاميبين من أصيب بالمرض الاستعماري, أي الازدواجية , أي رفض الاستعمار الذي يمارسه غيرهم وتقبل لا بل تمجيد استعمارهم للغير, ثم محاولة تبرير استعمارهم للغير , تارة بتحريرهم من الاحتلال الروماني او الفارسي ثم التبرير بسعي بدو الجزيرة لنشر الحضارة , التبرير ايضا بتلبية نداء السماء في ضرورة نشر الدين ,عموما لايبررون الفتوحات بغنائم الحرب , التي أراها تمثل السبب الرئيسي للفتوحات, ,
من اسخف التبريرات كان التبرير بالتحرير , الذي ينفيه واقع الاستعباد وتذبيح الناس الذين ” تحرروا ” على يد خالد ابن الوليد وغيره من مجرمي الحرب , لقد سقط “التحرير” بسبب استمرار تواجد الغزاة “المحررين” كسلطة , مثلت الشكل الأقبح من الديكتاتورية ومن الوحشية ومن اخصاء الشعوب التي تم استعبادها , فالشعب السوري الذي انجز كما هائلا من الحضارة والابداع منذ بداية التاريخ , توقف بعد الفتح قبل ١٤٠٠ سنة عن الابداع , ولا يزال متوقفا , باستناء استمراره بممارسة التوحش , الذي زرعه وجذره الغزاة في النفوس , من ينظر الى سوريا والى السوريين يكتشف بسهولة نتائج ذلك الاخصاء الحضاري المريع , الذي مارسه الغزاة عربا عروبيين وعثمانيين , الذين لم يتركوا من آثار في سوريا , سوى الخراب وسوء الأخلاق والتبدون , الذي تمثل باستمرار العشائرية -القبلية , وهيمنه هذه البدوية على كيان الانسان السوري النفسي والمسلكي , التاريخ لايعرف أروع من الحضارة السورية قبل ١٤٠٠ سنة , ولا يعرف سوى الحقارة المهيمنة منذ ١٤٠٠ سنة , كل ذلك دفع أحد المؤرخين للقول , بأنه لكل انسان وطنان , وطنه الذي يعيش به , ثم سوريا وطن الانسانية الرائعة , التي ابدعت قبل قدوم الغزاة البدو قبل ١٤٠٠ سنة , كانت وطن الانسانية , وطن الانسانية حولوه الى زريبة للحيوانية الفترسة , وأفقدوه صفة الوطن .
الى جانب تلفيقة التحرير التي تقمصت بشكل استعمار مريع , هناك تلفيقة بخصوص السماء واله السماء , الذي أمرهم سبحانه بنشر الدين الجديد بالسيف …أسلم تسلم , ثم النقيض لا اكراه في الدين , الذي تحول الى لا اكراه سوى بالدين , اما أن تتأسلم او تدفع الجزية أو تتم محاربتك بالسيف , وحتى الأسلمة ودفع الجزية لم يكن واقيا من الحروب , وهذا ماعبر عنه الوالي ابو المهاجر دينار في شمال أفريقيا , والذي أكد للخليفة بأن الأمازيغ أسلموا , هنا صححه الخليفة ونبهه الى ضرورة الغنائم قبل ضرورة الأسلمة ,بعد ذلك طرده وعين عقبة بن نافع بديلا عنه, بديلا مهتما بالغنائم , التي كانت هم وهدف الخليفة يزيد .
حتى في ذلك السياق التاريخي قبل أكثر من ١٤٠٠ , لم يكن نشر الدين بالسيف مألوفا , قال المسيح لأحد تلاميذه “دع سيفك في غمده , فمن يأخذ بالسيف , بالسيف يؤخذ ” , فعلا لقد أخذ الخلفاء بالسيف وأخذوا بالسيف ايضا , الدين حجة لاتحتاج أصلا للسيف , لابل يمثل السيف واستخداماته نكسة للرقي وللدين ايضا , كما عبر عن ذلك المؤرخ علي الوردي , لايمثل اعتناق شخص لدين معين ان كان الاسلام او غير الاسلام بالضرورة انقاذا له , ولا يمثل انقاذا للدين , وهل يشمخ مخلوق بشري لكون الاسلام دينه ؟, لانرى ذلك الشموخ لمن دينهم الاسلام أو حتى غير الاسلام .
لقد أخطأ الفاتحون بحق غيرهم وبحق أنفسهم بالدرجة الأولى , لم يستفيدوا من مجتمعات الحضارات التي دخلوها بالسيف , ولم يقتبسوا من هذه المجتمعات المتحضرة ما هو جيد وايجابي , اكتفوا بتلفيقة تحضيرهم لمن هم متفوقون عليهم حضاريا بدرجات , لابل جلبوا الانحطاط لهذه المجتمعات المستقرة , جاؤا بالعشائرية والقبلية والأخلاق البدوية , ثم مفهوم الحق البدوي , ومفهوم العنف , ثم مفهوم الافتخار والثأر والفساد المتمثل بغنائم الحرب , الذي لايزال سائدا لحد الآن بشكل تعفيش, ناهيكم عن التنكيل بالعلم والعلماء العلم , ثم حرق الكتب والمكتبات , من المنطقي أن يحرق الأمي الكتب , ومن الطبيعي أن يحتقر الجاهل العلم والعلماء , الذين اتوا من الحضارة الفارسية بشكل رئيسي , لقد قضوا على معظم المتنورين او عليهم جميعا ووجدوا بابن تيمية والغزالي هدفهم ومبتغاهم وضالتهم !.
لقد أفسدوا وجذرو الفساد , الذي تعاني شعوب هذه المنطقة , في نفوس الناس , تعاني الشعوب التي بقيت تحت سلطتهم وسلطانهم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى من التأخر , من تخلص منهم قبل ذلك ترقى وتقدم كاسبانيا ودول شرق اوروبا والهند ..وغيرهم …
لاعجب من موقف بعض السوريين “اسما” المرحب والمؤيد للفتح التملكي لسوريا وغيرها من بلدان بلاد الشام ,ولا عجب من الترحيب والتأييد للفتح الاردوغاني لشمال سوريا , هؤلاء حثالة هذا الشعب , ولكل شعب حثالته , انهم بمثابة طابورا خامسا , لايمكن بناء دولة سورية سوى بدونهم , من يخفق قلبه عثمانيا او قريشيا عليه بأنقرة أو مكة , سوريا ليست مسكنا للحثالات …
