ديكتاتوريةالقائد من ديكتاتورية الله ..

 ربا  منصور:

 يمكن القول , على أن الطائفية  وليست “الدينية”  هي التي تتحكم بالوعي الثقافي-الوجداني  العربي منذ ١٤٠٠ سنة ,  ويمكن القول أيضا  على أن الكثير من فئات الشعوب  العربية  دعمت الحركات القومية   في نصف القرن الأخير , آملة    الحد من المد الطائفي, أو حتى التغلب على وعي طائفي  أصبح شبه جماعي  ومتجذر في النفوس.

 الا أن ماحدث كان  مشكلة أكبر, ليس بسبب فشل   الحركات القومية  في التغلب على  طائفية الوعي      الجماعية فقط,انما   بارتشاح  الحركات القومية بالوعي الطائفي ,  اذ تحولت تلك  الحركات  القومية  الى  حركات   طائفية   بقالب  مدني , اما القلب فقدأصبح  غيبي  طائفي بامتياز ,  فالبعث على سبيل المثال ,    تشرب بالطائفية , وأصبح  قناعا   لها , مكن الطائفية  من النمو , حتى تمكنت من السيطرة عليه  وجعلته  ملحقا أو ذيلا لها , وحيث  ضعفت الطائفية كان هناك من يرى  ضرورة تنشيطها من جديد , وذلك    لتوظيفها  في خدمة الديكتاتوريات .

 يستمد  النشاط الطائفي  قوته  بشكل اساسي   وعام  من  الأديان   , فلولا الأديان لما كانت هناك طائفية دينية , وللأديان مخزون تاريخي عميق,   يعتمد في  ضخامته  على ضخامة الجهل  ,  والعلاقة طردية بين بقاء   الأديان   ووجود   الجهل  , ولما كان  الجهل نسبيا  من خصائص الانسان, التي سوف لن تنقرض  , لذا فانه من المتوقع  أن تبقى الأديان قائمة   , خاصة  وان هذه الأديان    وافرازاتها الطائفية   مفيدة جدا للبعض , الذي يجد بها   الوسيلة الجيدة  وحتى المثالية  في  تثبيت اركان  تسلط  منحط  يهدف الى تجميع  الغنائم  عن طريق السلب والنهب والافقار والاستبداد , وذلك من أجل البقاء والاستمرار, خاصة من أجل الاستمرار , لأن الفكر الديني  , الذي  يؤله , يساعد على تأليه الطاغية , وبالتالي  بقاء الطاغية   الى ماشاء الله .

 الديكتاتوريات   المتألهة  تحب  الطائفية والطوائف ,  لأنه من الممكن استبدال   البنية السياسية الحزبية   ببنية   أقل تغيرا   وأكثر ثباتا , وهي البنية الطائفية ,   حيث  تطفو الديكتاتورية  ,التي أصبحت بحد ذاتها طائفة ,على سطحها  مستغلة تناقضاتها الأبدية ,  مما يؤبد أيضا السلطة المتألهة   ,   والتقديس يمنع  نقد هذه السلطة  الالهية  , كما أنه يوفر  على  السلطة الكثير من العناء  في اقامة  المشاريع , وغير ذلك من متطلبات التنمية والتقدم, فالتأخر قضاء وقدر ..انه ارادة الله  , التي  لايمكن الطعن بها .

 لقد تكونت في العالم العربي في نصف القرن الأخير أحزاب سياسية   , ذات أفكار وأهداف جيدة, وقد كان على هذه الأحزاب  أن تنجح في معركة صعبة مع التفكير الديني المتجذر في النفوس والعقول , الا أن  هذه الأحزاب  خسرت المعركة  لعدة أسباب , من أهمها  استسلامها  لما يسمى القائد  الخالد  ,  ظنت هذه الأحزاب على  أنها تستطيع امتلاك  القائد وتجنيده في خدمتها , والعكس كان  النتيجة  , لقد  تملك  القائد الحزب  وحوله الى مطية   للوصول الى أهدافه الشخصية ,التي  كان  من أهمها الاثراء  والاستغلال .

   لقد  تم  تكريس  التسلط  الأسطوري , ثم  امتلاك  القائد   للحزب  والسلطة وحتى الدولة وتوريثها  الى ذويه , وذلك بمساعدة  عوامل عدة , منها النزعة والاستغلال الطائفي  , الذي يسمح ويشجع   أبدية الفرعون , والنتيجة كانت  بقاء القائد , الذي هو بحد ذاته طائفة ,  واضمحلال الحزب  , الذي أصبح ذو قلب طائفي  وقالب مدني , فالقلب الطائفي  كان  ضروري   للاستمرار ومصدر قوة ضاربة  , والقالب المدني كان وسيلة     لتسويق الدجل  الديكتاتوري ,  الذي أصبح     له   اسما  مستعارا   هو   العلمانية   , وهكذا  خسرت الشعوب   كل  شيئ , وربح   القائد كل شيئ ,  تدنى مقام الدولة  وارتفع مقام القائد  , والنتيجة المرة  هي مانعيشه الآن  في العديد من الدول العربية ,  وفي مقدمة هذه الدول سوريا  , التي انحطت بشكل مرعب ,  هناك من يقول  على أن سوريا تحتاج الى خمسين سنة أخرى  من التطوير  الايجابي    لكي تصل  حتى  الى مستوى مصر الحالي , ولا  أجد  في  هذه  المقولة أي مبالغة .

هناك ظروف خارجية ساعدت على  افراغ الأحزاب السياسية من مضامينها المدنية  , وبالتالي كرست  الطغيان الديني  الغيبي  , منها مثلا    انهيار الاتحاد السوفييتي , ومنها أيضا  البترول  , الذي  ساهم الى حد بعيد في  دعم   الأصولية  وفي اضعاف  التيارات المدنية  , التي تواجدت  بشكل   رئيسي  في دول لاتملك   بترولا أو غيره من الثروات  الطبيعية   ,

هنا يجب  التأكيد  على أن  العوامل الخارجية  ليست أساسية,انما عوامل مساعدة , فالأساس هو العامل الداخلي  الذي تجلى بضعف المناعة الفكرية الثقافية , التي سمحت للعوامل الخارجية بالتأثير على الداخل  , وسمحت للديكتاتوريات بالنشوء  والاستمرار  لعقود عديدة ,لم  تتمكن   الشعوب    بسبب ضعف  وعيها     الجماعي من انتاج    أفضل  من    الخراب   الذي نراه  ونلمسه ونعيش   به   الآن .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *