مها بيطار :
تطور سوريا يعاكس قوانين التاريخ , سوريا خرجت من التاريخ وتاهت في غياهب الأكاذيب … التاريخ هو صناعة الانجازات , ولم تكن الجنازات يوما ما صناعة للتاريخ , التاريخ هو صنع لحضارة , ولم يكن التاريخ يوما ما تخريب وهدم لحضارة ..هذا هو اللاتاريخ أو خارج التاريخ أو الخروج من التاريخ .
من منجزات التاريخ صناعة الدولة , وماذا نفعل اليوم بالدولة التي قدمها الغير لنا هدية بدون مقابل ؟ لقد تحررنا من العثمانيين دون أن ننتصر عليهم , ومن أنتصر عليهم هم الحلفاء , والحلفاء قرروا أن تكون دولتنا سوريا بمساحة مقبولة جدا وأرض قابلة للاستثمار وشعب قابل للتطوير كغيره من شعوب العالم , ثم أمنوا لنا أمر الاعتراف الدولي وقالوا لنا هيا الى العمل , هذه دولتكم وبلادكم فعمروها , وما فعلنا كان تخريبها والقضاء على مشروعها , وبالنتيجة نعيش بدون دولة في العشيرة , تحت عرف وطبائع البدوية الرعوية .
الدولة هي الحاضن لمجتمع متكافل متضامن , وماذا نفعل اليوم بالمجتمع الذي كان عليه تكوين نفسه متكافلا متضامنا ؟, نخربه !, ونستبدله بمجموعات العصابات , التي ترفع أسقط الرايات واللافتات والشعارات المنقولة من الزمن البائد التعيس ,خطابات وخربطات لانعرف مسؤولا عنها ,فالرئيس غير مسؤول عن جيشه , والشعب ليس مسؤولا عن قدره , نتكبر ونكابر ونكبر تارة لله وتارة أخرى للمتأله , مدمنين على الخوف , من الماضي والحاضر والمستقبل , خوف بدأنا بممارسته ارتكاسيا , وأصبح الآن غريزيا , انه الغريزة جديدة .
بعد أن قطع المتأله اللسان ومنع ممارسة غريزة الكلام , وأفرغ الرؤوس من مادة العقل , اذلاعقل ولا شرف عند ذبيحة الأطفال , وعند من قصف البيوت والمدن بلصواريخ وهدمها على رؤوس ساكنيها , يحرم عليهم حرمة ديارهم !, الحياة أصبحت “مشاع” , ومن يملك الرصاصة هو الرعاع سيد “المشاع ” , يحكم ويحاكم وينفذ ويقطع الجثث ..حسب نزواته وميوله وارادته , اننا في سوريا التي انتحلت اسما مستعارا هو الدولة السورية , التي تخيفنا وترعبنا وترهبنا , ومنا من يرتجف نشوة على نزيفها , ويرتاح لتعبها , ويقتات من فسادها.
ان قدر لسوريا ان تصبح دولة , فعليها أن تكون خالية من أمثالنا , لقد كنا جزءا من حراس مزرعة الأسد , التي تضم كلابا وحميرا وزكرتية وشبيحة , ومن ينظر منا في المرآة يرى الاسد , المشكلة التي لانراها ولا ندركها هي مشكلة الشعب الذي “تأسد ” وقبل ذلك تعثمن لمدة 400 سنة , عندنا ملايين من الأسود وملايين من المتعثمنين وملايين من الأصوليين الخلافيين البدو العرب, وكل منا أكثر فسادا من الآخر وأكثر ديكتاتورية منه , كل منا تحول الى الاسوء تربية وثقافة وحرية وديموقراطية , تحول الى الأكثر انتهازية والأكثر نفاقا وزيفا وتملقية .. سبحانه كيف تحولنا الى بشار والمتوكل وابن الوليد والقعقاع والسفاح ويزيد ومعاوية وأبو لهب وأبو جهل ….. ,
سبحانه كيف تحولنا الى نعاج بعد نصف القرن الاسدي , وبعد القرون الأربعة العثمانية وبعد القرون العشرة البدوية …طوال هذه المدة الطويلة جدا لم نحرك ساكنا , الوطن تحول الى مستوطن(سمر يزبك) ولم نحرك ساكنا , تحول وجودنا في هذه البلاد الى وجود عابر ومرحلي وكل منا يتقزز من هذا الوطن ويريد الرحيل والهجرة ولم نحرك ساكنا, للأسية زبانية وللفصائل زبائن ولربما يفوق عددهم جميعا على عدد التواقين للحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية, بصريح العبارة لانستحق دولة ولا مقدرة لنا على انشاء دولة , نحتاج الى وصاية الغريب , وهل تقبل أي دولة محترمة في العالم أن تمارس الوصاية علينا ؟؟؟؟
Post Views: 205