ما. بيطار :
هناك العديد من العقائد منها الدينية ومنها الاجتماعية والسياسية وحتى العسكرية … الخ , وكل عقيدة من هذه العقائد تنتمي الى نظرة فلسفية أو فكرية تميزها عن غيرها , العقائد استقلالية من ناحية , ومن ناحية أخرى تداخلية مع بعضها البعض , وتحولية الى بعضها البعض , فقد تتحول عقيدة دينية الى سياسية كما هو حال الاسلام السياسي , أو أن يتحول حزب سياسي الى دين باله وعبيد يعبدوه , ولا تثتثني العقيدة الاجتماعية من التداخل والتحول , فالقبيلة كنظام اجتماعي تستحضر الدين لتكريس وجودها , والأنظمة الدينية تستحضر السياسة لضمان استمراريتها …وهكذا
معظم أو حتى كل العقائد مكتسبة , هنا يختلف شكل اكتساب بعضها عن البعض الآخر , عادة يتم اكتساب العقيدة السياسية في سن البلوغ , بعكس العقيدة الدينية , التي يتم اكتسابها بالولادة , الانتماء الديني مكتسب , الا أنه من ناحية أخرى شبيه بالولادي , يولد الطفل كصفحة بيضاء سياسيا ألا أنه يولد كمسلم عند كون الوالدين مسلمين أو أتباع ديانة أخرى , وهنا تختلف قوانين ودساتير الدول عن بعضها البعض , ففي بعض الدول يسمح للفرد أن يغير دينه الولادي لاحقا عندما يريد , وفي دول أخرى يرغم الانسان على البقاء على دينه الولادي , يولد مسلما وعليه أن يبقى مسلما , وكيف يمكن لذلك أن يستقيم مع مفهوم “لا اكراه في الدين ” على سبيل المثال , ولماذا يتحتم عل المسيحي , الذي يتزوج من مسلمة أن يتحول الاسلام بينما لايسمح للمسلمة أن تتحول الى المسيحية …هناك العديد من النقاط التي تبرهن عن الطبيعة التوحشية لقوانين ودساتير بعض الدول المتأخرة عموما .
من أشد العقائد حقارة , هي تلك العقائد التي تحتقر ارادة الانسان وخياراته الواعية , لذلك فان العقيدة التي تتحول الى ولادية قسرا وبدون استئذان الانسان المعني بالأمر , وترغم الانسان على الانتماء لها تحت طائلة العقوبة , هي عقيدة جديرة بالاحتقار , لأنها لاتسمح للتفكير الواعي البالغ الناضج بصناعة عقيدة مقنعة له , ومن يحاول ذلك تتم مجابهته بالرفض والقمع وحتى العنف …من ارتد يقتل !!!!, كيف ذلك , ولماذا يجب قتل من يرتد , أي من يترك دينه الأشبه بالولادي , وذلك بغض النظر عن انتقاله الى دين آخر او دين اللادين .
لامغالات في القول بأن اي عقيدة دينية تسمح باستخدام العنف ضد المرتد هي عقيدة فاسدة ومتأزمة , وبالتالي تحتاج الى التقويم والتصويب والتنقية من الشوائب …منها شائبة الظن بامتلاك الحقيقة المطلقة , وشائبة الظن بأن تطبيق العقوبات التوحشية يمثل ارادة الهية معصومة عن الخطأ , بذلك يسقط هؤلاء منكر أعمالهم على الله الذي يعبدوه ويحاربون ويموتون من أجله , أي أنهم يسخرون منه , فضلا عن ذلك يمثل الاكراه في الدين مصدرا مهما ورئيسيا في صناعة التعصب , وأساسا للتطرف , وخلفية من أهم خلفيات ممارسة العنف والارهاب,
يمكن القول بشكل عام بأن التراثية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن صناعة العقائد , والتراثية كما عرفها صاحب مصطلح ” التراثية” علي الوردي هي مجموع القيم والمعتقدات والتقاليد والعادات والمألوفات التي ينشأ عليها الانسان منذ طفولته , التراثية لاشعورية , اي أنها بعيدة عن العقل والعقلانية , انها شبه غريزية, ولا يقع في براثنها سوى ضعيف العقل , الذي يفقد بواسطتها عقله بالكامل….شلل عقلي ,عطالة عقلية شبه كاملة , لذلك يمكن القول بأن المخلوق التراثي هو مخلوق لاشعوري , وبالتالي فان أفعاله وتصرفاته ليست عقلانية ,انما مفروضة عليه أي على لاشعوره من الخارج ,شلل الشعور أي العقل يحوله الى فريسة سهلة لغريزية اللاشعور , بالتالي يتحول هذا الانسان الى مسير لاخيارات له سوى ماتمليه عليه غرائزه ,
يمكن القول ان العقيدة عموما سجن , وأسوء العقائد هي العقائد الولادية كالدين , الذي يولد مع الانسان في هذه المنطقة ويبقى قسرا مع الانسان الى الممات , والأنكى من ذلك يتم توريثه … انه سجن مؤبد وبالأشغال الشاقة , سجن ولادي يبدأ بقتل العقل بالايمان والمطلقية وبالخرافات السامة , سجن قسري ملتبس بالطوعية , المؤسسة على الترغيب والترهيب بالجنة وجهنم , يكبت الانسان جنسيا على الأرض وفي السماء ينفلت على الحوريات بالمئات , قفص الدين محكم الأبواب ومن يدخله من الصعب عليه أن يغادرة , وهذا هو الفرق بين العقائد الدينية وبين العقائد السياسية , استبدال عقيدة سياسية بأخرى ممكن , ولكنه صعب الى حد الاستحالة في اتجاه ديني معين في بلادنا .
تدفع التراثية الدينية الانسان الى التعصب والى الفوقية ثم الى انتفاخ “الأنا” لأن هذه ” الأنا” تنتمي الى خير أمة , تقدس التراثية الدينية نفسها , وتفرض قدسيتها على الغير تحت طائلة العقوبة الضارية , التي تصل الى حد القتل ذبحا.
لايجوز في هذه الحالة تقديس المعتقدات , وبالتالي وضعها في مصنف الحقيقة المطلقة , التي لايجوز الشك أو المس بها ,واذا كان لابد من مقارنة المعتقدات مع بعضها البعض , فانه علينا رفض المعتقدات التي تحولت الى شبه ولادية غريزية كالمعتقدات الدينية خاصة الخرافية منها والمضادة للعقل والمنطق , المعتقدات الأكثر جدارة بالاحترام هي المعتقدات المكتسبة في حالة من الوعي والبلوغ , كالمعتقدات السياسية , أما المعتقدات التي تلصق بالانسان قسرا بوسيلة الترهيب والتغريب , فلا تستحق أقل من الاحتقار والرفض والمجابهة .