جنين السقوط , وجناية الاسقاط…

    هل  تحتاج الأنظمة العربية الى عوامل سقوط خارجية ؟

لاتحتاج الأنظمة العربية الى عوامل   اسقاط  خارجية ,ان كانت اقليمية أو عالمية , وهذا الأمر ينطبق على كل الدول من المحيط الى الخليج ..جمهوريات ومملكات وجملوكيات ,  جنين “السقوط” متواجد في رحم هذه الكيانات , وولادة الجنين  كانت متأخرة  في الكثير من الحالات  ,  أحيانا كانت هناك ضرورة الى عملية قيصرية دامية , احيانا حدثت الولادة بنوع من السهولة والتيسير  , كما كان الحال  في   تونس ومصر , والوليد اختلف  من  دولة لأخرى , انثى  أو ذكر  مشوه أو مريض  أو صحيح الجسم ..كل ذلك   كنت   له  علاقة بالظروف المحلية  الداخلية  والخارجية  لكل دولة وكل كيان .

عوامل سقوط النظام السوري  تمتد  الى الماضي , حين  عاكس الراحل حافظ الأسد  التاريخ وتطوره , ومثله فعل أيضا عبد الناصر والقذافي وصدام حسين ,   لقد أدخل عنصر  عبادة “الشخص” في قائمة ممارسات السلطة , بل وضع  ممارسة عبادة “الشخص ” في مقدمة الممارسات    ,  وبذلك حقق  مايصبو اليه , وهو ترسيخ   حكم عائلي مطلق لفترة طويلة جدا  من   الزمن , وبالتالي   تحول  سوريا الى مايشبه مملكة  ,   نجح التوريث بها  في غفلة من   الزمن  وفي حالة من عدم اليقظة والادراك عند  معظم  أفراد الشعب السوري , لم   يدركوا   مخاطر   التوريث ومارسوا   عدم   المبالات   وكأن   أمر   البلاد   لايهمهم ,   تتهم   العائلة   بأن   أمر   البلاد    لايهمها , ولكن   هل   اهتم    معظم   الشعب   بأمر  اليلاد    ؟؟؟؟؟

من أجل  نهوض العائلة سلطويا   واقتصاديا  وهيمنة ,كان على البعث    المركوب أن  يضمحل  ويندثر ويتلاشى   ,  قتلت ايديولوجية   وأدبيات  البعث واستبدلت  بأقوال  شخص الرئيس ,  استبدلت ابدية البعث بأبدية الرئيس ,   كذلك   كان   حال    العراق , أصبح   قدم الرئيس أكبر بكثير من حذاء البعث , البعث أصبح ملحقا   كالزائدة  الدودية ,  تحول الحزب  الواحد الى الشخص الواحد , وهذا التحول وجد له حاضنا في الدستور الجديد , الذي الغى البعث   عمليا  ووضع الدولة من أقصاها الى ادناها بيد الرئيس  , الذي يحكم  بمساعدة فرق مسلحة هي كتائب الأسد … يمولها الشعب السوري  مجبرا ..الى متى ؟ لا أحد يعرف ! الا أن التجارب المشابهة تشير الى قرب النهاية ..هكذا كان الأمر حتى عام 1998 في الاتحاد السوفييتي   وغيره من دول أوروبا الشرقية ..ليس الشعب هو المؤثر الأساسي في السقوط  , النظام هو  المسبب الأول لسقوطه .

   ظن الأسد الابن  عام 2000  على أن الاصلاح ممكن , وظنه هذا تأسس على  عدم ادراك  وفهم واقعي لبنية السلطة ,التي تسلم زمام أمورها  ,  ضعف هذا الفهم مستمر الى يومنا هذا  , الا أنه يتناقص بسرعة كبيرة ,   تحول  الأسد الابن  من واعد  بالاصلاح الى متوعدا به  ….كأبيه ..عينك… عينك  كل شيئ ممكن الا  الرحيل , ولتنقرض سوريا عن بكرة أبيها  ..لا رحيل مهما كلف الأمر , وعند فشل الخطة A تأتي الخطة B , من لايستطيع أن  يبقى رئيسا لسوريا , يستطيع أن يصبح رئيسا لدولة العلويين ,  وأين المشكلة بذلك .؟ .دولة  عاشت من عام 1920 الى عام 1934   , ولم تخرب الدنيا , والكادر القديم  الذي  عاش متطفلا  عند الأسد الأب  , تحول الى حاضن للأسد الابن  ..لاشيئ جديد في الدولة , التي   تطورت   الى   نظام   الجملوكية .

كل  عوامل  السقوط الأخرى   انبثقت  من  حالة الشخصنة ,  الدولة تحولت الى مزرعة  , ارادد المزارع الأكبر السيطرة على كل شيئ بها ,   مختذلا جهازه الاداري الضروري بشخصه   , انها مزرعة خاصة  يملكها شخص  ويديرها شخص .

لكي  تسير الشخصنة والخصخصة بيسر , كان لابد من التأليه , ولا بد من القيام  بطقوص التأليه , التي تتضمن  التقديس  والتبخير والتملق  والانبطاحية  وغير ذلك   ,   وهكذا   تحول الشعب من فاعل  الى منفعل ومفعول به , ومن فعل به كانت أجهزة الأمن ,التي أجهزت على العقل والسياسة  والحس بالسيادة , الشعب الذي لايسود  , لايعمل  ويصبح سلبيا , وسلبية الشعب  هي التي قضت على معظم كيانات الدولة ,  الشعب كان   لاشعوريا   انتقامي  , خرب المرافق العامة ..من زجاج نوافذ المدرسة  الى  الأملاك العامة  ..الى التلفون العام  الى القاء القاذورات في الشوارع  والى الانخراط في  أتون الفساد ,لقد تمدد الفساد ليصبح ظاهرة شعبية , ولم يعد  حالة استثنائية , وكيف يمكن لدولة  أن تزدهر  في ظل ممارسة واحدة  هي الفساد ؟ .

لايمكن لدولة أن تزدهر في ظل الفساد ,الا أنه من الممكن لعائلة  وزبانيتها أن تزدهر في ظل الفساد , خاصة اذا كان البعد الوحيد  لخاصة “الازدهار ” هو الاثراء , في هذا الخصوص  لايمكن القول  على ان العائلة فشلت , بل حققت أكبر النجاحات , ولا يوجد في العائلة  وبين زبانيتها الا مالكي المليارات من الدولارات , وعن الملايين لايتحدث أحد الآن , اما عن الدولة المفلسة  ….فمن تهمه هذه الدولة ؟

نظرا لوفرة عوامل السقوط الداخلية ,   أصبح الحديث عن مساعي الاسقاط الخارجية ,الاقليمية او العالمية   باهتا , لاشك  في ان أعداء السلطة كثر , ولا شك على أن هناك من يريد اسقاط السلطة  , ولا شك بوجود من يتآمر عليها , كل هذا صحيح ,والأصح من ذلك هو ان عوامل السقوط الذاتية الداخلية  هي   الأهم ,  بالرغم   من  نضوج   عوامل   السقوط   الداخلية  ,تأخر  السقوط طويلا , الا أن  حقائق   التاريخ   تقول ان  السقوط المدوي  آت  لامحالة .

 لقد كانت رغبة كل مواطن واع  , ان يتم  السقوط بشكل تغير سلمي  تلقائي  لايهدم وانما يعمر , الا أن الظروف , التي لايمكن تبرئة السلطة من المشاركة الأساسية في خلقها , لم تسمح بذلك ..الآن   تحولت   البلاد   الى  مقبرة   بحجم   الوطن ,  كره   , اجرام  ,  تجزئة ,ضغينة وتخريب وخطف وافقار واغتيالات  ونزوح    ,  ثم طائفية وشبيحة وذبيحة والاخوان …سني   …شيعي  ,فرق الموت  والتهريب  والمناطق العازلة  وغير العازلة ,والهاربين واللاجئين والعزلة  وسحب السفراء وقطع العلاقات  الديبلوماسية  وانخفاض سعر العملة , الافلاس  وغلاء المعيشة,   وفقدان النفط    ثم البرد القارس   والحر   الخانق , …الخ ,لا يوجد في هذا الوطن  سوى  تمظهرات  السقوط المدوي  في   كل   الاتجاهات   الى   الحضيض . 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *