ممدوح بيطار :
أصل مصطلح ” المواطن” اغريقي , مفردة مواطن ليست مشتقة من مفردة “وطن” العربية , ترتبط مفردة “مواطن” مع العديد من المعاني الأخرى مثل حقوق , واجبات , حرية , دولة , حضارة …الخ , انتقل هذا المصطلح الى بقية العالم , كما انتقل غيره من المصطلحات , مثل مصطلح ديموقراطية , فلسفة , منطق , جمهورية .. وغيرهم من المفاهيم , التي شكلت الفضاء العقلي للحضارة الاغريقية, التي أعطت العالم مخزونا فكريا ضخما , خص كل جوانب الحياة . للمفهوم دلالات ومكونات وشبكة علاقات مع سواه , مفهوم متعدد الأبعاد.
لامواطن بدون وطن ولا وطن بدون مواطن , الوفاء والانتماء هم أطر التعامل بين الوطن والمواطن , تعامل متبادل بمستواه الأفقي أي الناس بين بعضهم البعض , وشاقولي اي مع السلطة الممثلة للوطن , لاتكفي الأوراق الثبوتية لتحول المساكن الى مواطن , لابد من الانتماء الطوعي والوفاء , لايكفي الانتماء الديني لتعريف المواطن , اذ لاعلاقة بين المواطن والمؤمن , وبخصوص هذه النقطة يجب الاجابىة على السؤال التالي , هل يمكن للأصولي أن يكون مواطنا,
لا أساس لمفهوم المواطن في الثقافة السياسية العر بية القديمة , المفهوم دخيل ومستورد شأنه شأن مصطلحات أخرى , كمصلح “الجمهورية ” أو “الديموقراطية ” , ما كان سائدا قبل مفهوم المواطن كان مفهوم “المؤمن ” ثم مفهوم الانتماء القبلي مثل الانتماء القريشي وغير القريشي … كل ذلك كان ترجمة للانتماء الديني او القبلي الديني ـ القبلي , الذي لايزال ساريا حتى الآن.
لم يأخذ مفهوم المواطن والوطن موقعا مركزيا في الكيان الذي سمي بعد الحرب العالمية الأولى “جمهورية” , باستثناء فترات قصيرة جدا اثناء الاستعمار الفرنسي , ولعدد قليل من السنين بعد رحيل فرنسا , بالتدرج استيقظ القديم الكامن في لاشعور هذه الشعوب , وبدأ الشعور بالحديث عن المناضل والمجاهد ..الرفيق …الأخ ..العهد ..المبايعة , وبصعود الأصوليات على المسرح السياسي , صعد معها مفهوم المؤمن والجنة والحوريات , ثم الداعية والايمان والقضاء والقدر والكفر … كل ذلك التطور الورائي ابتلع مفهوم المواطن وغيره من المفاهيم الحديثة… المواطن تحول الى المؤمن , الجمهورية تحولت الى ملكية أو ولاية , بالتالي ولد مفهوم “الجملوكية ” أي الجمهورية -الملكية ,
هل يمكن ان يكون المؤمن مواطنا ؟ ,هناك بدون شك من يرى هذه الامكانية , هناك من تيقن من منتجات الحداثة , التي تعني خصوصية ثقافية , تتجلى بالفصل بين الهوية الدينية والهوية الوطنية , ثم التعامل مع الآخرين على أنهم شركاء في الانسانية , هؤلاء يتعاملون مع البعد الديني بوصفه ضميرا داخليا أي أمرا شخصيا لاعلاقة له بالوطن والمواطنة , التي تتمركز على مستوى يقيني مجتمعي مختلف , هؤلاء للأسف قلة !
ألأكثرية منهم , ومن يمكن تسميتهم اسلاميين ,مع مراعاة الفرق بين المسلم والاسلامي , هم من يعتبرون انفسهم خدام الدين , الذي عليه أصلا خدمتهم , هاجس هؤلاء هو التمحور وراء الهوية الدينية واعتبار نصرة الدين امرا اساسيا ورئيسيا وأوليا , الدين هنا أساس التعامل بين الناس وأساس كل علاقة , ومصدر كل القيم والأحكام , وفي كتاب الدين يجد الانسان الجواب على كل سؤال .
لا أهمية سوى لما يأمر الله به , وما هو في النص أو الحديث , ثم كل ذلك مقرون مع التأكيد , بأنه لا اجتهاد في النص أو الحديث, وبذلك يستحيل على هذا الانسان ان يصبح مواطنا , لأن اولياته ليست للوطن , بل للنص والحديث والشريعة والحجاب وتعدد الزوجات والنكاح والحوريات العذراوات ثم للمرشد والوالي والفقيه , لايمكن للمؤمن أن يكون مواطنا في وطن يحاربه ويسعى الى ازالته واغتيالة , لكونه صنما , لايريدون وطنا انما يريدون خلافة , يريدون الشريعة ويتنكرون للقانون حتى للعلوم كالفلسفة , التي منع تدريسها في هذا العصر وفي بعض الدول العربية , لامانع عند هؤلاء من انتحال اسم الجمهورية , حتى عندما تكون ممارساتها تيوقراطية , كما في الجمهورية الايرانية الاسلامية , هؤلاء مع الحرية لأنفسهم وضدها لغيرهم , من يعتبر النص والآية مرجعية , لايتمكن من اعتبر القانون مرجعية , انهم اعداء القانون وبالتالي اعداء الوطن , اذ لاوجود لوطن بدون قانون ولا وجود للخلافة مع القانون .
المواطنة ليست سوى علمنة الرؤيا , والمواطن الذي يعيش في مجتمع دنيوي يستمد مشروعيته من الدنيا , وليس من مرجعية خارجية سمائية عليا , المواطن هو انسان الأرض , المسؤول عن نفسه وعن تنظيم أموره من خلال قوانين ومعايير يصنعها بذاته ولذاته , الدين والنص ليسوا مرجعيات للحياة على الأرض, المرجعية على الأرض هي الانسان وعقله الذي يعمل في اطار النسبية وبعيدا عن المطلقية .
لايريدون المدنية ومنتجها المسمى دولة , حيث يعيشون بها احرارا منتجين من عرق جبينهم ما يأكلون ويلبسون ويشربون , يريدون الكيانات الشمولية التي تهيمن على مقدراتهم وتريحهم من اتخاذ القرار وتحمل المسوؤلية عن أنفسهم …. الله يرزق من يشاء … جوعي قدري ولغاية في نفس الخالق الغريب العجيب والمدمن على اقامة اعراس الدم ,خالق البشر هو قاتل البشر … كيف ذلك ؟؟
ترتكز المواطنة على حكم القانون وتشترط ديموقراطية ومساواة ليبرالية بين الجميع , تنهار فكرة المواطنة عندما تنخرها انماط من علاقات أخرى مثل الولاء المطلق والتقديس , لذا لاتستقيم النبوة مع المواطنة , النبوة التي تعني ان النبي هو أولى من الناس على أنفسهم والتقديس يعني الجمود والغاء التطور, لا تستقيم اي علاقة تتميز بتقدمها اهمية وهدفا على الوطن مع المواطنة , التقدي ممكن ولكن على مستوى ادنى من مستوى الوطن والمواطنة .
من كل ماذكر , أرى بأنه لايمكن للأصولي الديني أن يكون مواطنا في دولة أرضية, تطلب منه أولية الانتماء لها , بينما يمارس هذا الاصولي الولاء لكيان أخر هو الخلافة الاسلامية , لاعلاقة لكل ذلك مع الاعتراف الشفهي بالوطن , لأن الممارسة تبرهن , على أن انتماء رجل الخلافة الأصولي ليس للوطن الأرضي , انما لشيئ لآخر خارج هذا الوطن وخارق لحدوده , لاجدوى من ازدواجية الجنسية , أي ممارسة مؤسسة على انتماء اولي لخارج الوطن هي بمثابة استقالة من المواطنة وخيانة للوطن
