مابين الفتنة والثورة!

سمير  صادق :

     يبدو الانزعاج واضحا عند الاسلاميين ,عندما يحاول البعض تفكيك الماضي وتحليله ,يسمون هذه العملية “نبش القبور” ! , والاسلاميون لايريدون نبش القبور ,عندما يتعلق الأمر بالسفالات والاعمال المنكرة للراقدين تحت التراب ,الا أنهم ينبشون القبور برغبة عندما يتعلق الأمر بالتبجح والتفاخر والتشدق بالأوهام , اما عندما يقود نبش القبور الى الفضيحة فلا لزوم للنبش اطلاقا…محرم حرام !! , عندها يصبح النبش تحريض على الفتنة , ومن يحرض على الفتنة انما هو مخلوق لاوطني , وحتى نبش قبور آل عثمان لايروق لهم , فآل عثمان اخوة في الدين وهم خلفاء الاسلام , والعديد من الاسلاميين لايزال يحن لآل عثمان ويعتبر القضاء على الخلافة نكسة ويتحسرون على الماض العثماني , ويعتبرون هذا الماض مشرقا , ليس لأنه مشرق حقيقة , وانما لأنه اسلامي , وهل يعرف الاسلام الا الاشراق ؟.

نباش القبور هو أخصائي في اشعال نار الفتنة !!! فهل للفتنة أي علاقة بنبش القبور ؟؟ أو أن الفتنة هي من صنع الاسلاميين حصرا ؟.
في سياق الثورة وفي سياق الحروب بين الأسدية والاسلاموية , تحدث الاسلاميون عن الثورة ,التي يبذلون في سبيل نصرتها الغالي والرخيص , ويتحدثون عن الخونة من الممارسين للفتنة , ويريدون من باقي الشعب الالتفاف حول الثورة ..ثورة الحرية والكرامة والديموقراطية , أي انهم يريدون بكلمة أخرى التفاف الناس حولهم لنصرتهم أي نصرة الثورة , سنلتف حولهم وننتصر لهم ليحكمون بشرع الله …وماذا عندئذ عن الحرية والديموقراطية ؟؟ وهل شرع الله ضمانا للحريات وللتقدم وللديموقراطية ؟.

الجواب هنا بالنفي القطعي , لقد رأيناهم وهم يبترون الرؤوس ويبيعون النساء بالمزاد العلني ويحرقون الناس أحياء ويحكمون بالموت رميا بالرصاص على الانسان لكونه علوي أو قبطي (عام ٢٠١٦ تم اختطاف ٢١ قبطي يعملون في ليبيا ثم قتلهم رميا بالرصاص دون ممارستهم لأي جرم أو جنحة , فقط لاأنهم أقباط) , لذا سوف لن ننتصر لهم وسنعتبرهم اعداء لنا و للانسانية والبشرية .

تختلف الثورة عن الفتنة بالعديد من الخصائص , فالثورة هي صراع بين البشر وبين السلطة المستبدة ,هدفه تغيير النظام أو فرض تغييرات جذرية على بنية النظام , وفي الثورة تتوحد معظم فئات المجتمع للوصول الى هدف معين , الوحدة لاتعني الاتحاد في كل شيئ ,وانما في عدد قليل جدا من الأهداف الرئيسية , كهدف اسقاط النظام .

الفتنة هي صراع الناس مع الناس , خاصة عندما يحاول كل فريق منهم فرض أهدافه وأساليبه على الفريق الآخر , الثورة تتميز في وحدة معظم الناس للوصول الى الهدف , أما الفتنة فتتميز في انقسام الناس حول الهدف, الثورة عندما تنجح فانها تنجح من أجل الجميع , عندما تنجح الفتنة فانها تنجح من أجل قسم من الجميع , القسم الناجح في الفتنة يستولي على مكاسب القسم الخاسر , لذلك فانه من الممكن للثورة أن تهدأ بعد الوصول الى الهدف , أما الفتنة فلا تعرف نهاية , لأن أي قسم خاسر سيحارب من أجل أن ينتصر , الفتنة تعرف الازمان , فأمد الثورة قصير نسبيا مقارنة مع أمد الفتنة , والخراب في الثورة قليل مقارنة مع الخراب في الفتنة , قد تحقق الثورة الانتصار على السلطة أو لاتحققه , أما الفتنة فلايمكنها تحقيق انتصار ينهي الاشكالية , الانتصارات في الفتنة هو بداية لاشكاليات لانهاية لها , الفتنة تجزء ولا توحد , والثورة تتحول الى فتنة عندما يتشبث فريق بمواقفه محاولا السيطرة على الفريق الآخر كما هو الحال في سوريا..

عندما أطلق الاسلاميون على الحرب التي عمت البلاد أسم الثورة الاسلامية, وعندما قالوا ان هدفهم انشاء دولة اسلامية , مارسوا “الفتنة” بامتياز , انهم قسم من الشعب وليسوا كل الشعب , ولا يوجد مسيحي واحد في صفوفهم , لقد حاربوا قسما آخر من الشعب وقضوا على جيشه الحر وانتهىت ثورة ٢١٠١١ باعلانها اسلامية ,همهم الأول كان التأكيد على اسلامية الثورة , والتأكيد عن عزمهم على تطبيق شرعهم على الآخرين , وبذلك تحولوا تعريفا الى أصحاب مشروع الفتنة … فنباش القبور بريئ من الفتنة ومن اثارتها , لأن نباش القبور هو شخص يريد التعرف على الماضي ومصداقيته , يريد فصل السيئ عن الجيد , يريد التعرف على أسباب ذلك الحنين الى الجذور , ويريد التعرف على صلاحية هذه الجذور لبناء الحاضر والمستقبل…!

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *