رأس المال البشري….التنمية والديموقراطية

سمير  صادق :

  من  يحاول    كشف  العلاقة  بين  التنمية  والديموقراطية ,    يجد   أن   الديموقراطية  بمؤسساتها   تمكن  من   تحقيق  تنمية   حقيقية  وذات  وجه  انساني, يستنتج   أيضا   بأن  تقدم  مسيرة  التنمية   من  شأنه   خلق    ظروف  موضوعية ترسخ  الممارسات  الديموقراطية  …….على  مايبدو   ان  التأثير متبادل  …!

في   الأدبيات   الاقتصادية  الحديثة   تأخذ   التنمية   بعدا  أعمق   واطارا  أوسع   ,  انها   ليست  اقتصادية  حصرا  وليست   تعبيرا  عن حجم  الطاقة  الانتاجية  للمجتمع ,   فالغاية  من  التنمية  الاقتصادية   الانتاجية   هي   تحقيق  التنمية  البشرية  ,  التي  تعني   تحسين   شروط  حياة  الانسان   مما  يكفل   له  حياة  كريمة ,  الانسان   اداة  التنمية   والانسان    هدف  التنمية ,   تنمية  الناس   بالناس ومن  أجل  الناس .

تتطلب  تنمية  الناس  بالناس   مشاركة  الناس   أي  المشاركة الشعبية   ,  التي  تحدد   متطلبات   الناس   وتحدد   الوسائل    اللازمة    لممارسة  هذه  التنمية , كما  أنها   تتطلب  تطويرا   مستمرا   للمعارف  والمهارات ,   تتطلب   أيضا  مشاركة  شعبية   حرة   تحدد   الهدف   المنشود   والادوات  اللازمة  للوصول  الى  الهدف,والمشاركة  الشعبية تعني   مشاركة   مؤسسات  المجتمع  المدني .

كل  ذلك  يتطلب  نوعا  من  الديموقراطية  بشكلها  المعاصر ,   التي   تمثل   منهجا  لاتخاذ  القرارات  العامة  من  قبل  الملتزمين  بها  ,  انها  منهج     ادارة   الاختلاف   في   الآراء  وفي  المصالح  ايضا  وذلك  بشكل  سلمي ,      فجوهر  الديموقراطية   هو  الاعتراف  بالآخر  وبحقه   في  التعبير  والدفاع  عن  مصالحه ,  انها   حوار  مستمرفي  اطار  الاختلاف   من  أجل  الوصول   الى  حلول   للاشكاليات  التي   تواجه  المجتمع   ,  ثم  ترتيب   العلاقات   بشكل   يضمن  التقدم   والمساواة  بين  الجميع   في   الحقوق  والواجبات ,  لاتنمية  بشرية  بدون  ديموقراطية  , ولا  ديموقراطية  بدون  تنمية  بشرية.

التنمية  ليست عملية  توسع  اقتصادي   فقط ,   تتأثر  التنمية  بشدة   بشكل   ونمط  العلاقات  الاجتماعية  السائدة,   ففي  ظل  الانقسام  الطبقي   تستأثر   القوى  الأقوى   بالحيز  الأعظم  من ثمار  التنمية ,  اضافة  الى  الانقسام  الاجتماعي   ,  هناك  في الدولة  المتأخرة   عوامل   مؤثرة  اضافية  منها  الفساد  وبيروقراطية  الدولة ,  لاعجب  هنا من    أن  لاتحظى   هموم   الفئات  الشعبية   بما  تستحقه   من  الاهتمام  , وبالتالي لايتم  توزيع  ثمار  التنمية   بالمساواة , وهذا  يقود  الى  الشعور  بالغبن والاحباط  , مما  يؤسس الى   النقمة  والتمرد والعصيان   واليأس  ثم   الانكفاء  والسلبية ,  نتيجة لذلك   تصاب  البلاد  بعدم  الاستقرار   السياسي  والاجتماعي….وبالتالي  تتداعى   ليصل  الأمر  الى  الاندثار ,

عدم  المشاركة  الشعبية  في  صياغة  القرار   بسبب  التعامل  التعسفي  مع  حرية  الرأي ومع   حرية  الفرد  في  التعبير  عن مصالحه  , يعني   احتكار    صياغة  القرار  من  قبل  بيروقراطية  الدولة , ومن  قبل  منظومات  الفساد  الربيبة    للدولة  المؤسسة  على  الفساد   ,   مما  يقود  الى   عرقلة  عملية  التنمية  البشرية, هم   بيروقراطية  الدولة المتأخرة    ومشروع  هذه  البيروقراطية   يكمن   في   تمكين  الفساد  من  رقاب  الناس.

العلاقة بين  التنمية  والديموقراطية  عميقة ,  وعمقها  وأهميتها  موازية  لأهمية   العنصر  البشري   او  رأس  المال  البشري  ,  الذي   لايقاس   بالعدد  , وانما  “بالعدة”   المهنية  والفكرية والتعليمية والتأهيلية   المتواجدة  في   الرؤوس  والأمخاخ ,     لايمكن  للمقدرات   البشرية   أن  تنمو  وتترقى   بدون   الديموقراطية   المنصفة  والتي  تساوي  الناس    بالحقوق  والواجبات , لايعمل   رأس  المال  البشري   بدون  رأس  المال  المادي ,  أي التوظيف  الاستثماري  ,التوظيف  في   الاستثمار   هو  محرك   التنمية  ,  لذلك  نرى     الدول   الواعية   للتنمية   تشجع   الاستثمار   الغريب  ,  انه  هدية   للدولة  التي   يتم  بها  هذا  الاستثمار  , والاستثمار   مربح   حتى  ولو  كان  بشكل  قروض ,   هنا  أفترض   بخصوص  الربح , عدم  تمكن  الفساد  من  السطو  على   الاستثمارات  …     كم  الاستثمارات   الغريبة   في  أوروبا   الغنية   هائل , ولا  يمكن  مقارنته   مع  الاستثمار  الغريب  في  دولة  كسوريا     الخالية  حسب  علمي  من   الاستثمارات  الأجنبية .

بالرغم  من  أهمية   الاستثمار   المادي ,  تبقى هذه الأهمية  ثانوية  مقارنة  مع   أهمية رأس  المال  البشري  ,  هناك   دولا   برأس  مادي   ضخم  جدا  كالدول  النفطية ,  وبالرغم  من  ضخامة   امكانية  التوظيف   الاستثماري   ,  لم  تتمكن  هذه الدول    من   السير   في  طريق  التنمية   , وذلك  لضعف   رأس  المال   البشري ,  بالمقابل  هناك  دولا    تمكنت   بدون  ثروات  طبيعية  من   التنمية   والرخاء   لشعوبها  ….   هذه  الدول  هي  دولا  ديموقراطية  في  الغالب ,  لذا  يمكن  القول  بأن   الانسان  هو  المهم  بالدرية  الأولى  , الديموقراطية    على  نفس  المستوى     ثم  أخيرا  رأس  المال   المادي ,من   الصعب   تشجيع  المواطن  على  السعي  لاكتساب  المزيد  من  المعارف  والمهارات  بدون   شعوره   بامكانية  التقدم  , وبدون  شعوره  وادراكه   بأن      العمل  والتنمية   مدرة  بالنسبة  له .

لابد  في  النهاية  من  التطرق  الى استئثار   غير  المنتجين  بالانتاج , مثلا الجيوش  التي   لم  تفلح  في  الدفاع  عن  الأوطان  , انما , ولفترة   قصيرة  , في  الدفاع  عن  الأشخاص ,  الذين  ينهبون  المال  العام  , بدون  ان  ينتجوا  شيئا , العامل  الآخر  ,  الذي  يستهلك      هي   أجهزة    الأمن,  التي   تستهل   القسم  الأعظم  من    الانتاج ,دون  أن   تنتج   في  معظم  الدول  المتأخرة    ,  التي  ترى   أن مصدر  عدم  الأمن   بالمعنى  السلطوي   للكلمة   ليس   الخارج  , انما  الداخل ,  تبتلع   أجهزة  الأمن   كميات  كبيرة  من  المال …احيانا  أضعاف  أضعاف   ما  يستلزمه  التعليم   , واذا كان  الاستقرار    هو  الهدف  من  أجهزة  الأمن  الموجهة  الى  الداخل ,  فمن  الواضح   بأنه  لا  استقرار  من  خلال  أجهزة  الأمن  ,  التي   تمثل  مسلكايتها  منتهى   عدم  الأمن  , الاستقرار  لايكون  ولا  يتم  سوى  بالديموقراطية ,  انهارت  الأنظمة  الاشتراكية  ليس  بسبب  النقص  في  أجهزة  الأمن  ,  ولكن  بسبب  كثرة  أجهزة  الأمن .

سمير  صادق  :syriano.net

رابط  المقال:https://syriano.net/2020/11

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *