ممدوح بيطار :
الحديث عن التطرف الديني أو الغلو ألديني , هو حديث مزدوج بطبيعته , حديث في الدين , وحديث في السياسة , ينطلق الاسلاميون من الدين ويريدون الوصول الى السياسة , يتصورون السياسة وكأنها فرع من الدين , وفي نطاق هذا التصور يحصل التناقض الذي يقود الى الخلاف , فلا الدين المسيس دين , ولا السياسة المتدينة سياسة , جمع الدين مع السياسة , هو جمع للضديات التي تعارض بعضها البعض , وتنفي وجود بعضها البعض .
من يحاول التعرف على أصول هذه الضديات وخاصة جمعها القسري , يصل الى الأصل الواحد , الذي هو التوحيد, وأحد أهم مروجيه شيخ الاسلام ابن تيمية , الداعي الى توحيد الأسماء والصفات والى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية , لقد شكل التوحيد محورا أساسيا لكل حركة فكرية في التاريخ العربي-الاسلامي , وبالتالي يجب الاعتراف بعلاقة التوحيد مع حاضر هذه البلاد المتأخر .
محاولة توحيد الضديات قاد الى تأزمها ,أي تأزم الدين وتأزم السياسة في آن واحد, محاولات التوحيد قادت الى اقصاء الآخر , والى الحروب على المختلف بقصد توحيده مع غيره قسرا , أمر تجلى دائما بالعنف ….حيث الدم والاغتصاب , مؤسسة الاسلام السياسي , ولاتحبل الا بالوحدانية المنتجة للعنف والتكرار , ولا تتمحور الا حول السلطة السياسية التي تفرض قراءتها الخاصة للنص بما يخدم توجهاتها وأهدافها.
فهم العنف المشهدي المرتدي للعباءة الدينية , أي الارهاب الأعمى , يتطلب أكثر من التوقف عند النصوص الدينية التي تعتبر بخصوص العنف والارهاب تأسيسية له , لابد هنا من التفكير حول الشروط الوجودية الثانوية للعنف , من حيث كونه أيضا حركة احتجاج هوجاء على الفشل المتجلي بالفقر والتأخر , بالرغم من احتكار العباءة الدينية لكامل مسببات الفقر والتأخر , انهم يرهبون الغير انطلاقا من آلية “الاسقاط” المعروفة في علم النفس , يسقطون أسباب تأخرهم على غيرهم ويحاولون عقابه , مع أنهم ذاتيا هم السبب الأول الوجودي والأخير للتأخر والفقر , واذا كان عنف الارهاب عقابا للمسبب , فما عليهم الا ارهاب أنفسهم ….البعض ينتحر في حالات من هذا النوع , الا أنهم لايمتلكون الشجاعة لتنفيذه , انهم أصلا جبناء !.
هناك من أراد تلطيف الأمر بعض الشيئ ,مدعيا بأن التوحيد هو أمر “الهي” فقط … توحيد في السماء وعلى الارض تعددية !!, واقعيا لاوجود للتوحيد حتى في السماء , فاله المسيح هو غير أله محمد وغير اله موسى , وعلى الأرض لاوجود للتوحيد تلقائيا , لأن التوحيد ليس من طبيعة البشر , بعكس الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر , ماهو ممارس على أرض العرب الاسلامي ليس الا توظيفا لمفهوم التوحيد من أجل تبرير احتكار السلطة ثم حذف المختلف وشن الحرب عليه , فالتوحيد هو المبدأ الأساسي الذي يستلزم ممارسة الارهاب .
التصورات السياسية هي فرع من التصورات الدينية , التوحيد شكل دائما منطلقا مركزيا ليس فقط للارهاب وانما لكل حركة فكرية في التاريخ الاسلامي , هناك ربط وثيق بين قضية التوحيد الالهي وقضية التوحيد السياسي , والمهم في التوحيد بالدرجة الأولى , كان التوحيد السياسي المؤسس للديكتاتورية السياسية والدينية بآن واحد (أبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب), فرض التوحيد سياسيا قاد الى العكس منه أي الى التمزيق , الذي نرى ونلمس اشكالياته ومشاكله وحروبه حتى هذه اللحظة .